علمتنا الحياة درساً مهماً: لكي تصبح كبيراً في وقت قياسي، قف في وجه الكبار!
وبما أنه في الغالب لن يتمكن (صغير) من مواجهة (الكبار).. فإنه يقوم بالإدعاء بحدوث هذه المعركة.. ويخوض في تفاصيلها المثيرة.. حتى يتمكن من أن يصبح (كبيراً) في مجتمعه.. والمعركة التي يتحدث عنها لا وجود لها أصلاً!..
كم يحدث في أوساط الموظفين في قطاعات حكومية.. أن يبرز بينهم شخص يفاخر ببطولاته في مواجهة المدير العام.. وكيف أنه ينال حظوة عند الوزير بسبب وقوفه في وجه مهازل المدير.. وسقطاته.. وهو في الحقيقة يحاول أن يتقرب إلى المدير بأي طريقة حتى لو اضطر إلى صنع الشاي له.. ولم ير الوزير في حياته قط!
وكم يحدث في الأوساط الأدبية.. من شخص يبرز لتفاخره بمواجهاته مع أحد الأدباء الكبار.. مسفهاً أسلوبه وأدبه.. مدعياً أنه يتفوق عليه في المجالس.. وهو الذي لم يره إلا على شاشة التلفزيون!..
وكله لإضافة هالة من المجد.. والمكانة..
تعلمنا الدرس.. ووعيناه.. لكثرة ما نراه حولنا..
* * *
خبر غريب يحتل مانشيت الصفحة الأخيرة في جريدة الشرق الأوسط..
الخبر يتحدث عن (المبادرة الرائعة) من أحد مراكز الترفيه بمدينة جدة بتوفير (لعبة الرقص) ضمن الألعاب الترفيهية داخل المركز..
الغريب في الخبر هو ما تضمنه العنوان.. حيث ذكر أن لعبة الرقص “تسهم في استغلال الطفل لطاقته بالشكل السليم في ظل انعدام وجود السينما”.. ترى ما علاقة السينما بهذا الموضوع!
الخبر يصدمك حقاً.. فهو يتحدث عن لعبة ترفيهية ضمن الكثير من الألعاب الترفيهية في أحد المراكز.. ويقرر أنها بديل ممتاز لاستغلال الطفل لطاقاته في ظل غياب السينما!
هل تريد كاتبة الموضوع أن تقرر أن السينما هي الوسيلة المثلى لاستغلال الطفل لطاقاته؟
أم تريد أن تقول أن هناك رابطاً خفياً بين لعبة الرقص والسينما لم يتبين لنا؟!
أم أنها.. تريد فقط أن تذكر قضية السينما كمحفز قوي لقراءة الخبر؟!
هنا.. أتذكر زملاءنا ممن يضربون في (الكبار) ليصبحوا كباراً!! لا أدري لماذا!
* * *
الموضوع يتضمن العديد من (المصائب) التحريرية..
فكله يتمحور حول لعبة الرقص.. والدور الريادي لهذا المركز في ذلك (منذ حوالي ثلاثة أشهر).. في حين أن لعبة الرقص هذه متوفرة في الكثير من المراكز الترفيهية حول المملكة.. وأي شخص لديه أطفال ويزور هذه المراكز باستمرار يعرفها جيداً.. ويعرف أيضاً أنها من الألعاب التي لا تلقى رواجاً عند الأطفال.. قد تكون لفكرتها التي يرفضها البعض.. وقد تكون لعدم كفائتها وضعف أدائها مقارنة بالألعاب الأخرى المحيطة بها..
ثم يتحدث الموضوع عن مدى إقبال أبناء مدينة جدة على الرقص.. وأنهم يعشقون الرقص.. ويستخدمون هذه اللعبة كوسيلة تعليمية.. ويداومون على الحضور لهذا المركز الترفيهي لزيادة مهاراتهم في الرقص..
وأنا.. لا أدري لماذا لا أستطيع تصديق ذلك!
تفسير كل هذه (المصائب) التحريرية يأتي في الشق الثاني من الخبر.. ففجأة يظهر اسم صاحب المركز.. واسم المركز.. ويستمر الحديث عن أنشطة المركز.. والخدمات التي يقدمها.. وتميزه في جودة الألعاب التي يوفرها ومراعاتهم لأنظمة الجودة العالمية بأسلوب إعلاني فج..
ترى.. حينما نصل إلى هذه النتيجة.. كم من سؤال يظهر في مخيلتك؟
لا تعليق!
* مقال منشور في المفكرة الإعلامية