لنتخيل سوية إنساناً ضعيفاً..
مسكيناً..
رجل كبير في السن مثلاً.. هدته السنون..
ولديه عائلة يعيلها..
جلس على استحياء على باب المسجد بعد الصلاة.. وأخذ يستجدي الناس بضعف..
علّه يجد من يعينه على دوائر الحياة..
ثم أتى بائع بطيخ..
نصب بضاعته أمام باب المسجد.. وأخذ ينادي بأعلى صوته..
“الجح يا ناس.. الحبة بخمسة ريال.. اشتري من عندي حبة وباعطي هالمسكين منها ريال.. ادعموا هالمسكين يا ناس.. اشتروا الجح وفكوا أزمته.. ما تشوفوه مسيكين مو لاقي ياكل؟!.. ما في قلوبكم رحمة؟!”..
حال بائع البطيخ هذا للأسف نجده حولنا كثيراً..
وبكل أسف..
* * *
على الرغم من وضوح استغلال بائع البطيخ للمسكين.. إلا أننا نجد حولنا الكثير مثله..
شركات تعلن عن تخصيص نسبة من مبيعاتها لدعم قضايا إنسانية معينة..
وتقوم بإطلاق حملات إعلانية كبيرة لترويج منتجاتها بهذه الطريقة.. ومنطقها هو نفس منطق بائع البطيخ..
ترى.. أليس لي الحق بأن أشتري بطيخة من بائع البطيخ بأربع ريالات.. ثم يكون لي مطلق الحرية بدعم هذا المسكين بما أريد؟!..
لماذا تتصدق هذه الشركات.. وبائع البطيخ.. على المحتاجين.. على حسابي؟!..
وكيف نرضى بأن يمارس علينا هذا الاستغلال؟!..
* * *
الأبشع من ذلك.. أن يتم استغلال هذه الحالات.. دون فائدة تذكر لأصحابها..
وحدث ذلك مثلاً في أحداث غزة الأخيرة.. حيث أخذت إحدى الجهات الإعلامية بالترويج لمقاطع فيديو للجوال عن مأساة غزة..
وتقول في إعلاناتها.. “كونوا مع غزة.. كونوا مع أهاليها بمشاعركم وأحاسيسكم..
اشتروا هذه المقاطع لتروا حجم المصيبة”..
ليذهب ريع كل ذلك إلى جيوب هؤلاء المستنفعين!..
* * *
وبما أن هذه الشركات تستخدم الإعلان والإعلام للترويج لدعمها للجهات الخيرية..
فكيف الحال يا ترى إن كانت الجهة الإعلامية.. مطبوعة ورقية أو تلفزيون.. يقومون بعملية بيع البطيخ؟!
سنفاجأ بأن العملية تتم من دون وجود أي بطيخ أصلاً!
المعروف في أغلب وسائل الإعلام أنها لا تدفع.. بل تستخدم انتشارها وقوتها الإعلامية كسلعة..
فتدخل مثلاً في رعاية المؤتمرات والأحداث مجاناً مقابل الحديث عنها وخدمتها إعلامياً..
وهذا ما يحدث مع الجمعيات الخيرية..
فعندما تطلق الوسيلة الإعلامية حدثاً ماً.. كمؤتمر.. معرض.. مثلاً..
تجد أن السماعة قد رفعت فوراً.. اتصال بجمعية الأطفال المعاقين أو جمعية إنسان..
و.. “نود منكم توفير مجموعة من أطفالكم المعاقين.. الأيتام.. ليكونا معنا في هذا الحدث”..
وطبعاً.. بما أن المسألة بها خدمة إعلامية.. فلن يتردد القائمون على هذه الجمعيات في توفير المطلوب..
وعند الافتتاح.. تجد الأطفال المطلوبين في أوائل الصفوف..
وتجد صورهم تتصدر المطبوعة.. أو القناة.. مع عنوان بالخط العريض..
“…… تكرم أيتام إنسان على هامش معرض….”..
والقضايا الإنسانية.. تبيع!
* * *
وخاتمة الكلام..
“… ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه…”
* مقال منشور في المفكرة الإعلامية