الموضوع كان سريعاً ومفاجئاً.. كان الكلام يتردد عن نية التلفزيون السعودي إطلاق قناة خامسة.. هذا الكلام يعود لسنوات.. وظهرت فعلاً قناة خامسة من غير هوية واضحة.. كانت في الأغلب تعرض كل قنوات التلفزيون الأخرى الأربعة في أربع شاشات صغيرة.. وحينما تكون هناك مباريات محلية تجرى في وقت واحد كانت القناة الخامسة تستغل في المساعدة في النقل المباشر حينها.. وتردد فترة أن هذه القناة سيتم إعادة توجيهها وستسمى قناة (الجنادرية).. وفترة أخرى قيل أن اسمها سيكون (مناسبات) وأنها ستختص بعرض المناسبات الوطنية وما إلى ذلك.. ومع تولي الوزير الجديد توالت الأنباء عن أن القناة الخامسة سيتم تخصيصها للجاليات وستكون بعدة لغات مختلفة مثل الأردية والبنغالية والفلبينية..
ثم.. وقبل حوالي عشرة أيام.. صرح الوزير بشكل مفاجئ بأن هذه القناة ستخصص للطفل.. وأنها ستظهر في منتصف شهر شوال.. بدون إعطاء تفاصيل أخرى.. وبعدها بأيام قليلة ظهرت كل التفاصيل بشكل سريع ومتتابع.. تسمية القناة بـ (أجيال).. تعيين مدير لها.. تحديد أول أيام عيد الفطر لانطلاقتها.. إعلان أسماء المذيعين الأربعة الرئيسيين.. ثم ظهرت شارة القناة على الشاشات..
* * *
من الواضح أن وزارة الإعلام السعودية جادة في سعيها هذه المرة.. وأن الموضوع قد حسم بشكل نهائي.. وهذا ما أثار سعادتي.. فمن بين كل الاحتمالات المطروحة أعتقد أن خيار الطفل هو أقوى خيار.. وهو ما نحتاجه.. وما يحتاجه أطفالنا.. حيث أننا نعيش طفرة غير عادية في قنوات الأطفال جعلها خلال خمس سنوات ترتفع من قناتين إلى أكثر من اثني عشر قناة.. وأغلبها –إن لم يكن كلها- تستهدف السوق السعودي لأنه يمثل الشريحة الكبرى في المنطقة بالرغم من أنه ولا واحدة من هذه القنوات تحمل الهوية السعودية..
خطوة مباركة.. تستحق التقدير..
* * *
ولكن.. السؤال الأهم.. هل ستمكن قناة (أجيال) من لعب دور رئيسي في ظل وجود هذا العدد من قنوات الأطفال في الساحة؟
أعتقد أن العامل الرئيسي الذي سيشكل الإجابة هو أن قناة (أجيال) قناة حكومية.. تطلقها جهة حكومية في دولة خليجية.. وهذا يجعلنا نصل إلى عدة نتائج.
من المتوقع أن يتحكم النمط التقليدي الذي تعودنا عليه في التلفزيون السعودي سائر تحركات هذه القناة.. بكل إيجابيات هذا النمط وسلبياته.. وهذا يعني أن هذه القناة ستحكمها توجهات الوزارة.. وتوجهات الإعلام الكلاسيكي التقليدي الذي يهيمن على القنوات التلفيزيونية السعودية الأربعة.. ومعنى هذا بالتالي أن القناة الوليدة ستأخذ مع الزمن مكانة القنوات السعودية الأخرى في خارطة القنوات العربية.. فكما أن قناة MBC سحبت البساط من القناة السعودية الأولى.. وقنوات الجزيرة الرياضية و ART الرياضية سحبت البساط من القناة الرياضية.. فمن المتوقع أن يحصل نفس الشيء مع قناة أجيال.. حيث سيكون لقنوات أخرى مثل MBC3 و الجزيرة للأطفال و Spacetoon أكبر حصة من السوق.. وسيكون من الصعب على قناة أجيال أن تنافسهم بقوة.. لأنها بكل بساطة تفقد روح المنافسة التجارية والتوسعية التي تحرك هذه القنوات الريادية.. وكما يحصل مع القنوات السعودية الأخرى من أن المواطن السعودي يتابعها فقط في مناسبات وأحداث خاصة لا تعرض عادة إلا عليها مثل مباريات الدوري المحلي ومباريات المنتخب.. وكذلك متابعة وقت أذان المغرب في رمضان (والذي بمجرد إعلانه يتم تحويل الشاشة إلى قنوات أخرى!) فمن المتوقع ألا يتابع المشاهد قناة أجيال إلا في حالات خاصة محلية، أو في حال عرض مسابقات لها جوائز مميزة وثمينة، وهو ما يتميز به أيضاً التلفزيون السعودي.
الجانب الإيجابي في قناة أجيال هو أنها ستكون طريقاً لتبني المواهب المحلية، والأفكار المحلية، وإخراجها للسوق، وهذا ما حصل في القنوات السعودية الأربعة الأخرى، حيث خرجت هذه القنوات عددا من المذيعين المتميزين الذي أصبحوا الآن معالم أساسية في القنوات العربية، وانعكست إيجابياً على المتلقي السعودي بإيجاد نمط محلي ولو بسيط في القنوات العربية الأخرى خصوصاً القنوات القيادية، وبالرغم من أن القنوات السعودية خسرت شيئاً من مكتسباتها فعلياً بتنمية هذه المواهب ثم فقدانها إلى جهات أخرى إلا أن الفضل في ذلك يعود لها بلا شك.. يضاف إلى ذلك تنمية برامج ومسلسلات محلية تهاجر فيما بعد إلى قنوات أخرى مثل ما حصل مع (طاش ما طاش).. ففعلياً تلعب القنوات السعودية دوراً مهماً في إعداد الكوادر السعودية الجيدة وتوفيرها للغير، وبما أن القنوات السعودية قنوات غير تجارية وغير ربحية، بل هي قنوات حكومية موجهة ذات أهداف، فيفترض أن تكون هذه النقطة مدعاة فخر لها.
هناك إيجابية أخرى من المتوقع أن تحسب لصالح قناة أجيال، وهي أنها ستضخ كمية من السيولة على شركات الإنتاج لإعداد محتوى محلي خاص لها، وهذا سينعش حركة الإنتاج للطفل عموماً وفي السعودية خصوصاً، مما سيكون له دور كبير في دفع عجلة تقدم وتطور حركة الإنتاج للطفل في البلد، وهو فعلياً ما نحتاجه، وما يحتاجه أبناؤنا وبناتنا.
* * *
ما تحتاجه قناة أجيال هو الدمج الذكي بين التوجهات الحكومية والتربوية، مع التوجه التجاري، حيث أن التوجه التجاري هو الذي يذكي المنافسة ويثري الإبداع، مع لمسة تربوية تحمي القناة من الوقوع في أخطاء غيرها ممن جرفهم التوجه التجاري المحض.
كل التوفيق.. لكم.. يا من ستكونون أغلى وأثمن قناة محلية..
قناة (أجيال)..
* مقال منشور في المفكرة الإعلامية