RSS

الرواية المصورة الصبيّ الذي رأى النوم: ما هكذا تورد الإبل!

11 جوان

حاولت أن أصيغ العنوان بشكل أكثر إيجابية.. ولكن لم أستطع.. لأن هذه “الرواية المصوّرة” فعلاً محبطة.. وكل ما أعود لأقرأ شيئاً منها أخرج بنفس الانطباع!

*   *   *

عليّ أولاً أن أوضّح شيئاً مهما هنا: “الصبي الذي رأى النوم” ليست رواية، بل مجموعة قصصية.. وهذه النقطة مهمة في استعراض هذه الرواية المصوّرة، أو بالأصح: المجموعة القصصية المصورة، وتحليها..

وملحوظة أولى مهمة.. في المجموعة القصصية المصوّرة لم يتم نشر جميع القصص الموجودة في العمل الأصلي للكاتب عدي الحربش.. وبالتالي كان لا بد من التنويه على الغلاف أن هذا العمل المصوّر هو (مختارات من المجموعة القصصية: الصبي الذي رأى النوم، للكاتب عدي الحربش).. للمصداقية الأدبية.

*   *   *

في اللحظة الأولى التي وقعت عيني فيها على الغلاف انتبهت لمشكلة فنية تضرب مصداقية الرسام، فإحدى الشخصيات الخاصة بهذه المجموعة القصصية، وهي شخصية ابن سينا، “تم أخذها” من شخصية سندباد الشهيرة، من شخصيات ديزني. هذا التصرف يكفي لوحده للتشكيك في مدى أصالة رسومات هذه المجموعة القصصية.

*   *   *

سآخذكم في رحلة في بعض النواحي الفنية والأدبية بمراجعة أربع قصص مصورة مختارة من هذه المجموعة.. والتي من خلالها سنصل في النهاية إلى الأسباب التي جعلتني أكوّن انطباعاً سلبياً حادّاً تجاه هذه المجموعة القصصية المصورة.

*   *   *

قصة: حكاية الصبي الذي رأى النوم

تدور القصة الأصلية عن طفل تموت أمه المريضة عند ابن سينا، وهذا الطفل لا ينام لأنه يريد أن يرى النوم، ويحتال عليه ابن سينا حتى يحقق له ما يريد.

أول ما نلاحظه على القصة المصورة هو توتّر جودة رسوماتها، فنرى أحياناً رسومات جيدة، ثم يتغير مستوى الرسم تماماً إلى مستوى سيء وضعيف، كما أن رسوماتها لا تصلح لفنّ القصص المصورة، لا من حيث تعابير أوجه الشخصيات، ولا لقطات الكاميرا، وهناك مشاهد غير مفهومة في القصة المرسومة، واستخدم الرسام أحياناً النسخ واللصق لنفس الرسمات وهذا ضعف في التنفيذ.

*   *   *

في رواية القصة، القصة مختصرة بشكل أضاع جمالية القصة الأصلية، كما أن القصة اعتمدت على رواية الأحداث وابتعدت عن جماليات الكتابة الأصلية للقصة، وهذا أضعفها كثيراً. ومن التحويرات التي أساءت للقصة إضافة كتابات شارحة أضاعت إثارة القصة الأصلية، ففي القصة الأصلية مثلاً يروي لنا الكاتب أن النوم فعلاً أتى للولد بطل القصة، وأنه أخذه في رحلة، تمكن فيها من تنويم من يمر بهم، حتى نكتشف في النهاية أنه ابن سينا، ولكن القصة المصورة أحرقت هذه الإثارة مسبقاً بأن قالت أن هذه الشخصية هي ابن سينا متنكراً.

*   *   *

على سبيل المثال: هاتان الصفحتان تجسدان عدداً من الإشكالات الفنية والتحريرية المذكورة، الشخصية التي ترتدي الأزرق أعلى الصفحة الأولى تم نسخها ولصقها في الصفحة التي تليها، وتصرفات الشخصيات الأخرى التي يمرون عليها غير مفهومة، كما لا يمكن فهم الكادر الأخير في الصفحة الأولى والكادر الأول في الصفحة الثانية، ونرى في الصفحة الثانية حرق الإثارة بالإفصاح عن أن شخصية النوم هو ابن سينا نفسه، وفي الكادر الأخير نرى رسم ابن سينا الذي تم أخذه من رسومات شخصية سندباد من ديزني.

*   *   *

قصة: كرة البولينغ

تدور القصة الأصلية حول منافسة بين شابين في البولبنغ، وشعور كرة البولينغ التي تحاول جهدها ألا تضرب إحدى القوارير المصابة من قبل.

أما القصة المصورة، فقد تم تنفيذها باختصار شديد، وتمت صياغة الاختصار على أحداث القصة فقط، بالتالي لا نرى فيها إبداع الكاتب الأصلي (عدي الحربش)، ويبدو أنه تبعاً للاختصار الذي أضرّ بالقصة تمت إضافة عبارات شارحة مما أضاع جماليات القصة أكثر!

مما يؤخذ على هذه القصة أن القصة الأصلية بدأت بوصف بصري للشخصيات يدل على محليتها: تشخيصة بنت البكار، ربط الثوب، سروال السنّة، الزبيرية، ولكن في القصة المصورة نرى رسماً لرجلين لا يعكسان هذه الصورة البصرية إطلاقاً، بل توحي لك أشكالهما أنها شخصيات غربية.

الوصف البصري للشخصيتين في القصة الأصلية لعدي الحربش، وكيف تم رسمهما في القصة المصورة، نراهما هنا:

الرسم مستواه أسوأ من القصة السابقة، ويقع هنا في مشكلة أخرى وهي الفرد الشديد للوحات، حيث نرى صفحات بها كادرين (رسمتين) فقط أحياناً، وأحياناً لوحة واحدة، والفرد الشديد للوحات مقبول أحياناً في القصص المصورة حسب تداعيات الأحداث وفي حالات استثنائية، ولكن لا يكون طاغياً كما هو الحال في هذه القصة، (نصنفها في إنتاج القصص على أنها محاولة من الرسام، أو المنتج، لتقليل الجهد والتكاليف 😊 ).

نرى هنا الصفحتان الثالثة والخامسة من القصة، وبجانبهما على اليسار صفحة من رواية الوسمية المصورة، ليمكن مقارنة حجم أعمال الرسم بينهما:

*   *   *

قصة: لماذا يكثر أهل الرسّ من أكل الحبحر

هذه القصة من أروع قصص المجموعة التي كتبها عدي الحربش، والتي تروي صمود أهل الرس أمام العثمانيين أيام الدولة السعودية الأولى، والبطولات الفردية لمن هم هناك سواء كانوا من أهل الرس أو ممن كانوا فيها وقتها، وتمنيت شخصياً أن أراها بشكل أفضل في المجموعة القصصية المصورة، ومع أن فيها جهداً أفضل من غيرها، إلا أنها أحبطتني أيضاً.

القصة المصورة مختصرة بشكل غير موفّق، منها الاختصار الشديد المخلّ، ومنها إبراز بعض الأحداث الجانبية كأحداث رئيسية، وإهمال بعض الأحداث الرئيسية الأصلية، مما أضرّ بالقصة ومسارها، كما أضرّ ببناء الشخصيات، وحينما تقرأ القصة المصورّة ثم تقرأ القصة الأصلية ستتعرف على نفس الشخصيات بشكل مختلف.

نرى هنا ثلاث صفحات من القصة المصورة، بها ثمانية كوادر فقط، هذه الصفحات الثلاث هي اختصار لحوالي 11 صفحة سردية مليئة بالأحداث ممتدة على فصلين من القصة الأصلية:

يُضاف إلى ذلك أن هذه القصة أطول من غيرها، وهي مبنية في أصلها على ستة فصول، بينها فواصل زمنية ومكانية، ولكن لم يتم اعتبار الفصول في القصة المصورة، بل تم سردها كقصة واحدة، مما يحدث إرباكاً للقارئ.

رسم القصة بنفس مستوى الضعف الفني العام للمجموعة القصصية المصورة، وعدم إتقان لأساسيات رسم القصص المصورة من حيث رسم الشخصيات وتعابير الأوجه وزوايا التقاط الكوادر.

*   *   *

قصة: عندما أفاقت الجميلة النائمة

تحكي القصة الأصلية حكاية من زاوية مختلفة للقصة الكلاسيكية “الجميلة النائمة”، ثم تدخل البطلة في حوار فلسفي عميق مع المفكر ديكارت.

تعاني هذه القصة مثل غيرها من الاختصار الشديد غير الموفق، والرسومات الضعيفة، والفرد الشديد للرسومات.

ولكن أوردت هذه القصة ضمن الأمثلة هنا لأن فيها تجاوزاً أدبياً من نوع مختلف، حيث قام الكاتب بوضع نهاية أخرى من عنده للقصة!

في القصة الأصلية، يغضب ديكارت في آخر حواره مع الجميلة النائمة لانتصارها الفلسفي عليه، ويخرج من غرفتها، أما في القصة المصورة فإن ديكارت يقوم بخنق الجميلة النائمة في دلالة على أنه قتلها، ولا أعتقد أن هذا التجاوز من كاتب القصة المصورة مسموح أبداً لأن هذا العمل المصوّر هو تجسيد لعمل أدبي أصيل منسوب لكاتب من كبار الكُتاب. (قد يُغفر له ذلك لو كان مقتنعاً بتغييره للقصة، وكتب تنويهاً بذلك).

هذا مشهد ديكارت وهو يخنق الأميرة، ومعه النص الأصلي للقصة، -ونشاهد فيه أيضاً كيف أن الرسم أخذ صفحة كاملة، ليجسد أيضاً مشكلة الفرد المبالغ فيه للرسومات-.

*   *   *

أعتقد بعد استعراض وضع القصص الأربعة السابقة كنموذج، أصبح من الواضح لماذا هذه “الرواية-المجموعة القصصية” المصورة أحبطتني للغاية، وجميع قصص المجموعة المصورة وبلا استثناء كانت بنفس المستوى الذي استعرضناه في هذه القصص الأربعة.

مجموعة عدي الحربش رائعة، من الوزن الثقيل، وتمنيت بالفعل أن تكون هناك عناية تليق بها عند تحويلها لقصص مصورة، خصوصاً وأن تحويل القصص القصيرة أصعب من تحويل الروايات الطويلة، وتحتاج إلى إبداع خاص وتركيز عالٍ، ولكن للأسف هذه المجموعة القصصية المصورة لم تنجح في ذلك، وتضرّ العمل الأصلي أكثر مما تخدمه.

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 11 جوان 2024 بوصة قضايا إعلامية

 

أضف تعليق