RSS

Monthly Archives: نوفمبر 2021

ريكارد.. وسبعة أعضاء..


حينما تعاني من مرض لسنوات.. ثم تتلف أعضاؤك، عضواً تلو عضو.. حتى يخبرك الأطباء في أسى أنه قد بقي في عمرك شهر على الأكثر..

وفجأة، تجد متبرعاً، يماثلك في العمر، وفصيلة الدم.. ويهبك سبعة من أعضائه..

حينها.. ستدرك معنى اللطف الإلهي..

وسيضاف ما حصل لك إلى سجل المعجزات..

اسمه ريكارد..

حينما قدم إلى هذه الحياة، قبل أقل من أربعين عاماً بسنوات.. تم تشخيصه بمرض نادر.. يمنع أمعاءه من امتصاص الطعام بشكل جيد..

كان صغيراً.. في سنته الأولى.. ولم يكن بإمكان جسمه الحصول على ما يحتاجه من الغذاء..

وبدأ يعيش على المغذيات الطبية..

الصغير ريكارد كان دائماً منهكاً.. متعباً.. آلام أمعائه تصاحبه أغلب الوقت.. وانتفاخات معدته..

بالرغم من ذلك، حاول أهل ريكارد أن يجعلاه يعيش حياة طبيعية بقدر الإمكان..

كان يذهب إلى المدرسة بالدراجة كل يوم.. وبدأ يلعب كرة القدم.. ويسافرون سوية ويقضون الإجازات في نزهات كأي عائلة طبيعية..

ولم تكن هذه المحاولات تنجح دائماً..

أحياناً كان تعبه يزداد.. فيدخل المستشفى لأشهر.. منقطعاً عن دراسته..

كان ابن الجيران معه في نفس الصف.. حينما ينقطع ريكارد عن المدرسة كان ابن الجيران يزوره ويتابع معه دراسته، يشرح له كل شيء.. كان ابن الجيران بمثابة معلم منزلي لريكارد..

مضت السنون.. كبر ريكادر.. أنهى دراسته.. ودخل مجال الإعلام.. وأصبح مصوراً.. يعيش بين الكاميرات والفلاشات ومعدات التصوير..

وهو مستمر في محاولات التعايش مع وضعه..

فالمرض مستمر.. وتبعاته مستمرة..

مرضه وضعف الامتصاص، كان له أثر سلبي على أعضاء جسمه.. خصوصاً الكبد والكلى..

قبل أربع سنوات..

ساءت حالته كثيراً..

الكلى فشلت تماماً.. كبده متعب.. أمعاؤه ومعدته وعدة أعضاء في جسمه أصبحت عالة عليه..

أصبح يغسل كلاه.. ودخل العناية المركز عدة مرات.. مرة تلو مرة..

لم يعد بإمكانه تناول أي شيء.. وانخفض وزنه بشدة..

جسمه الذي يزيد طوله عن 180 سنتمتراً.. أصبح وزنه حوالي 40 كيلوغراماً فقط..

كان يجلس في منزله وهو يشعر بالعطش الشديد.. وكان من الصعب عليه جداً أن ينهض من مكانه ليذهب للمطبخ ليشرب، ولكن المعضلة الأكبر أنه سيعاني كثيراً إن شرب..

شعر ريكارد باليأس.. وقلة الحيلة..

أخبره الأطباء أن سبعة أعضاء في جسمه قد فشلت تماماً.. ومن شبه المستحيل أن يتم العثور على سبعة أعضاء من متبرعين، وتتوافق خصائصهم مع جسم ريكارد..

خصوصاً وأنه حسب تقديرات الأطباء، فإن ما تبقى من عمر ريكارد هو شهر واحد..

شهر واحد فقط..

ولكن يبدو أن ريكادر كان يمر فقط بمنعطف في حياته..

فما حصل بعد ذلك كان مذهلاً..

مذهلاً للغاية..

اليأس من العثور على سبعة أعضاء كان لأن العضو المتبرع به لا بد وأن يكون من جسد يقارب عمر ريكارد الذي كان في أواسط الثلاثين، في حين أن أغلب المتبرعين بالأعضاء هم كبار في السن..

والأعضاء هذه لا بد أن تكون من جسد متوفى لتوه، وليس من جسد حي.

وهي سبعة أعضاء.. ليست عضواً واحداً..

المفاجأة كانت: وفاة شخص في نفس عمر ريكارد.. شخص كان قد وقع على وثيقة التبرع بالأعضاء..

هذا الشخص كان يوافق ريكارد أيضاً في فصيلة الدم.. وفي البنية والحجم..

وكانت جميع الأعضاء السبعة التي يحتاجها ريكارد.. سليمة وبحالة جيدة..

كانت حالة استنفار في المستشفى.. الأطباء أنفسهم كانوا متفاجئين من هذه المصادفة النادرة.. ويريدون استغلالها لإنقاذ ريكارد..

وتم اصطحابه إلى غرفة العمليات..

دخل ريكارد غرفة العمليات بكل رضا..

كان يعلم أن العملية صعبة، ونادرة.. وقد ينتج عنها وفاته.. ولكن بسبب معاناته الشديدة.. وآلامه.. كل ذلك جعله يُقبل على العملية بنفس مرتاحة..

لم يكن لديه شيء ليخسره..

العملية لم تكن سهلة أبداً..

تم فيها زرع سبعة أعضاء لريكارد: كبد، وكلية، وبنكرياس، ومعدة، والاثنا عشر، الأمعاء الدقيقة، الأمعاء الغليظة.

في عملية استمرت لأربع وعشرين ساعة متواصلة.

حينما استيقظ ريكارد بعد العملية.. أول شيء انتبه إليه هو عدم شعوره بأي ألم في معدته.. اختفى ذلك الشعور الذي لازمه لأكثر من ثلاثين عاماً وعاش معه طيلة حياته..

حينها.. شعر بالتفاؤل.. والأمل..

وأول ما خطر على باله أنه أصبح بإمكانه الآن أن يرتدي قميصاً بدون أن يبدو شكله غريباً بسبب انتفاخ معدته..

وسارت الأمور بأفضل مما توقع..

أكد الأطباء نجاح العملية..

كانت هناك بعض التبعات الصحية التي استلزمت منه مراجعات أحياناً..

ولكن، في العموم.. تغيرت حياة ريكارد..

انتهت معاناته..

تماماً..

يقول الأطباء عنه.. أن أكبر معين لريكارد طيلة حياته أنه تمكن من حماية نفسه من الانزلاق نحو الاكتئاب..

من يكون مثله عادة يصاب بالاكتئاب.. حتى يسيطر الاكتئاب عليهم وعلى حياتهم..

ولكن ريكارد لم يكن كذلك.. قد يكون السبب هو رعاية أهله له.. والحب والثقة اللذان أحاطا به منذ صغره..

وهذا ما أعطاه القوة ليعيش كل هذه السنوات بشكل طبيعي بالرغم من صعوبة حالته..

اليوم.. وبعد مضي أربع سنوات على تلك العملية النادرة..

يعيش ريكارد بشكل طبيعي تقريباً..

لم يتبق له من الماضي إلا ندبات العملية في بطنه.. وأدوية عليه أن يأخذها باستمرار..

كما أن عليه أن يذكّر نفسه أن يأكل.. لأن الأعصاب التي تجعله يشعر بالجوع ذهبت في تلك العملية..

يقول ريكارد: أنا الآن أشعر أنني أعيش حلمي.. تمنيت طيلة حياتي أن أعيش بشكل طبيعي.. أن أخرج مع أهلي وأصدقائي.. أن أجلس على الأريكة وأشاهد نيتفلكس بكل راحة..

فعلا.. جمال الحياة في التفاصيل الصغيرة التي نغفل عن روعتها..

(مصدر الصور Dagens Nyheter)..

 
أضف تعليق

Posted by في 22 نوفمبر 2021 بوصة Uncategorized