RSS

Monthly Archives: مارس 2018

هل تعرض ابنك لمحتوى إباحي على الإنترنت؟


 

إرشادات عملية للوالدين

(نشر هذا الموضوع في مجلة أهلأً وسهلاً في عددها الصادر في مايو 2017)

 

انتظر، لا تذهب بعيداً لأنك تعتقد أن ابنك أو ابنتك محميان تماماً من المحتوى الإباحي على الإنترنت، فأي مستخدم للإنترنت معرض لأن يشاهد محتوى إباحياً في أي لحظة.. بل قد يكون ابنك قد تعرض لذلك ولم يتكلم لأنه يشعر بالخجل والارتباك.

التسارع التقني الحاصل من حولنا أسرع بكثير من إدراكنا الشخصي.. التقنيات المدهشة تتوالى تباعاً.. والتفاصيل التقنية التي لا ندرك الكثير منها تتطور يوماً بعد يوم.. تبادل المعلومات الشخصية وانتشارها واستغلالها مثلاً أمر أصبح من الصعب إدراكه والإحاطة به.. الكثير من الشركات حول العالم تسعى بكل ما تستطيع لاستغلال المستخدمين والاستفادة منهم، والكثير من هذه الشركات يضرب بالأخلاقيات والمثل العليا عرض الحائط في سبيل النجاح التجاري..

ومما يزيد من حالة الإرباك هذه أن عقول أطفالنا الغضة أقدر منا على استيعابها وفهمها واستغلالها والعبث بها.. كم منا مثلا يلجأ لأبنائه لحل مشكلة في جواله؟ أو لتركيب برنامج؟ أو لعمل نسخة احتياطية؟..

هل يمكن بعد ذلك أن نقول بكل ثقة أن استخدام أبنائنا للتقنية هو تحت السيطرة؟..

ذكرت مرة أن من القصص التي مرت علي طفل في الخامسة من عمره كان يبدو عليه الانزعاج وهو يلعب على الحاسب الآلي، وحينما توجهت إليه أمه لترى سبب ضيقه وجدت أنه يفتح دوما موقع ألعاب، وبين فترة وأخرى يوجهه هذا الموقع إلى صفحة فاضحة ملأى بالصور ومقاطع الفيديو الجنسية التي لا يصدقها عقل!.. أبٌ ذكر لي أنه اكتشف أن ابنه في الصف الخامس الابتدائي قد تعلم من صديقه كلمة بلغة روسية حينما يكتبها في محرك بحث جوجل يستطيع الوصول إلى كم هائل من الصور الإباحية المخجلة!.. حينما اكتشف الموضوع كان ابنه يتصفح هذه الصور لأكثر من ثلاثة أشهر بدون أن ينتبه أباه وأمه لشيء من ذلك!..

نحن للأسف لا توجد لدينا دراسات وأرقام عن معدل تعرض أطفالنا للمحتوى الإباحي، وذلك لحساسية هذا الموضوع والتي تجعل من الأطفال والآباء والأمهات يؤثرون الصمت على البوم بما مروا به، ولكن المؤشرات العامة والقصص المتداولة تقول بأنه يحدث بشكل ملحوظ، كما يحدث مع جميع أطفال العالم، في كل مكان.

في أمريكا، المعدل العمري للطفل حينما يشاهد محتوى إباحياً لأول مرة في حياته هو 11 سنة. 42% من الأطفال يشاهدون محتوىً إباحياً قبل سن المراهقة، و 73% من الأطفال يشاهدون ذلك قبل أن يصبحوا راشدين، أي قبل سن 18 عاماً. هذه الإحصائيات مخيفة!

أبناؤنا جميعاً معرضون في أي لحظة لمشاهدة ما لا يمكن لنا أن نستوعبه من المحتوى الإباحي الخطير والمخجل.. هذه أصبحت حقيقية من حقائق عصر الإنترنت الذي نعيشه.

 

وماذا سيحدث لو شاهد ابني محتوىً إباحياً؟

المحتوى الإباحي قد يسبب أضراراً نفسية وأخلاقية خطيرة على الطفل، وقد تستمر معه هذه الأضرار طيلة حياته.. تكبر معه.. وقد يكون لها تأثير متعدي على الآخرين فيما بعد إن وجدت البيئة المناسبة لذلك.

ثقافة الطفل الجنسية تكون صفراً.. خالية تماما من أي أفكار أو تصورات.. حيث أنها تبدأ في النمو والتفتح مع مراهقته شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى سن النضوج..

ولكن الذي يحدث أن هذا الحيز يتم تغذيته فجأة بمواد صادمة، لم يحن الوقت المناسب لعقل الطفل لاستيعابها..

وقد يمر ذلك مرور الكرام.. ولكنه للأسف أحياناً قد يتطور إلى أمور لا تحمد عقباها..

ما الذي قد يحدث إذن؟ من أبرز الآثار البديهية أن ما يراه الطفل سيشكل بداية ثقافته الجنسية.. مهما كان الذي رآه شاذا وغريباً!.. وقد ينشأ ويكبر وهو يعتقد من قرارة نفسه أن هذا الذي رآه هو روح العلاقة الجنسية لأن هذه الذي رآه صادف عنده بداية فورته الجنسية، وبالتالي كان أرضاً خصبة لذلك.. هذه البذرة الخبيثة تثمر مع الزمن تصرفات خبيثة، قد تكون على شكل كلمات بذيئة وتصرفات خادشة مع زملائه في المدرسة، قد تكون على شكل تحرش بأطفال حينما يكبر، قد تكون على شكل تصرفات صادمة مع زوجته فيما بعد، وغير ذلك!

وقد يتسبب ما رآه في آثار نفسية سلبية، كأن ينطوي على نفسه، ويعيش عوالمه الخاصة في صمت، لأنه يعلم أن ما رآه هو أمر مخجل يرفضه المجتمع، ولكنه في نفس الوقت وجد لذة خاصة فيه، قد يدفعه ذلك إلى الإبحار أكثر وأكثر في ما رآه، قد يتطور ذلك إلى أن يخلق لنفسه شخصية سرية على الإنترنت مع مرور الأيام، ليبحر أكثر وأكثر، ويتواصل مع من يشاركه ذلك، لينتج عن ذلك أمور لا تحمد عقباها.

وقد يتسبب ما شاهده في حيرة نفسية عند، وتشكيك، وبالتالي فقدان الثقة بالنفس، وقد ينتج عن ذلك أن يصبح الطفل عنيفاً مع من حوله، ويرفض الآخرين، ولا يتقبل الحوار. قد يرى الطفل أنه قد أخطأ خطأ كبيراً بما فعل، وبالتالي يحتقر نفسه داخلياً. وهذا يهز شخصيته وثقته بنفسه إلى أبعد الحدود. قد ينتج عن ذلك صعوبة في النوم، بكاء بدون مناسبة، كوابيس.

 

ابني تعرض فعلاً لمحتوى إباحي، ماذا أفعل؟

قبل كل شيء: كم عمر ابنك أو ابنتك التي تعرضت لمحتوى إباحي؟ إن كانت 5 سنوات أو أقل فعلى الأغلب لن يُحدث ما شاهده أي تأثير عليهم، وبالتالي قد يكون الحل الأنسب هو تجاهل ما حدث، مع الاحتياط حتى لا يتكرر تعرضه لهذا المحتوى مرة أخرى. أما إن كان أكبر من ذلك، حينها علينا أن نتصرف، خصوصاً إن كان عمره ثماني أو تسع سنوات فأكثر.

أولا: خذ نفساً عميقاً، سيطر على أعصابك، وتصرف بهدوء. أحيانا ردة الفعل العنيفة أو المفاجئة تزيد كثيراً من صعوبة الموضوع، أحياناً هي التي تلفت نظر الطفل إلى أن ما شاهده هو شيء (مثير للاهتمام) وأنه (لماذا بالضبط تصرف أبي أو أمي هكذا؟)، وبالتالي يفكر فيه أكثر وقد يحاول العودة إليه مرات أخرى لمحاولة فهمه، أَعلمُ أن السيطرة على الأعصاب في اللحظة التي نرى فيها الطفل يشاهد محتوى إباحياً أمر صعب، ولكنه جزء من علاج وتخطي المشكلة، يمكن أن نطلب من الطفل أن يحضر شيئاً أو نناديه لنعطيه شيئاً يحبه وخلال ذلك نقوم بتغيير ما يشاهده كإغلاق الكمبيوتر أو تشغيل شيء آخر له يحبه، وهكذا.

اكسب بعض الوقت لتفكر جيداً في خطواتك وماذا ستفعل، على الوالدين حينها أن يتحدثا ويتشاورا مع بعضهما في هذا الموضوع، يمكن لهما أن يستشيراً أحد الأقرباء أو الأصدقاء ممن لديه خبرة جيدة في التربية إن كانا يريان أنهما يحتاجان لذلك.

 

تحدث مع ابنك

أهم خطوة على الإطلاق هي التواصل الجيد مع الطفل.. الحوار المفتوح البنّاء..

أما النمط التقليدي في التوجيه.. وهو أن نحضر الطفل ونعطيه محاضرة وعليه أن يسمع ويطيع.. فهي لن تجدي نفعاً هنا.. ولو تجاوب معها الطفل فإنه يقوم فقط بتغطية ما حصل معه حتى ينفجر في وقت آخر..

  1. اختر وقتاً مناسباً

على الوالدين أن يقررا سوية من سيتحدث مع الطفل، وكيف.. بعض الأطفال يتحدثون بحرية مع أبيهم أثناء اصطحابهم من المدرسة إلى المنزل مثلاً، وبعضهم يتحدثون بحرية مثلاً مع الأم حينما تجلس معهم قبل النوم.. اختارا الوقت المناسب ليبدو الموضوع وكأنه تلقائي.. أما محاولة فتح حوار مع الطفل في وقت غير مناسب فلن يحقق منه الاستجابة المرجوة.. بعض الأطفال مثلاً تعودوا على اللعب بعد الغداء.. حينما يناديهم الأب والأم للحديث معهم في هذا الوقت سيقوم الطفل بمحاولة إنهاء الحديث بسرعة وبأي طريقة فقط للعودة إلى ألعابه.. علينا أن ننتبه من ذلك.

  1. استمع أولاً

لا تعتقد أنك تعرف بالضبط ماذا حصل مع ابنك، وماذا شاهد، وما أثر ذلك عليه.. أنت في الأغلب لم تشاهد إلا لقطة من عموم المشهد وهي أن ابنك جالس أمام شاشة تعرض شيئاً مخلاً.. ما عدا ذلك فأنت لا تعرفه..

ولذلك.. من الخطأ أن تقوم فوراً بنصح ابنك.. قد يكون ابنك غير مدرك أصلا ما الذي حصل.. وماذا شاهد.. ونصحك المباشر له سيفتح إدراكه على أشياء لم تكن موجودة.. وبالتالي تكون أنت سبب في تضخيم المشكلة وليس حلها!..

استمع لابنك.. ابدأ بالحوار معه بطريقة أسئلة واستفهامات بسيطة.. ودعه يتكلم براحته.. ويسترسل كما يريد.. وإن بدأ بذكر أشياء صادمة فلا تنفعل أمامه لأن ذلك سيجعله يقطع حديثه وبالتالي لن تعرف أبداً بقية ما حصل معه.. كن هادئاً.. كن مستمعاً جيداً وصبوراً مهما كان حديث ابنك صادماً، أو مملاً.

اعرف منه ماذا شاهد، ولماذا شاهده، كيف وصل إلى ما شاهده، هل وصله بشكل تلقائي أم أن هناك شيئاً تعلمه من شخص ما، هل تحدث مع أحد من أصدقائه مثلاً حول ما شاهده، لا تتوقف هنا.. اعرف منه انطباعه ورأيه في الذي شاهده، أحياناً تكون تصوراته بسيطة وسطحية ولم يفهم بالضبط ما الذي شاهده، وليس كما نظن نحن بعقليتنا من أنه قد فهم الموضوع بأكمله..

الاستماع له أمر مهم جداً، عليك ألا تبني جداراً بينك وبينه، لأنك إن فعلت ذلك فلن يفضفض لك ويتحدث معك، وقد يذهب إلى شخص آخر ليتحدث معه حول ما يشاهده، ومن يكون هذا الشخص؟ لا أحد يعلم..

  1. ابدأ في الحديث معه من وحي ما قاله

بعد أن تشعر أن ابنك قد قال كل ما لديه.. حينها يمكنك أن تبدأ في الحديث معه..

وما ستقوله هنا يعتمد على نوعية الحادثة وما الذي شاهده، وعلى ما سمعته منه ومن فكرته هو عن الموضوع..

ولا يوجد هنا مسار واضح تتبعه أثناء حديثك معه، الموضوع يعتمد أولاً وأخيراً عليك وعلى تقديرك للموقف، ومعرفتك بنفسية طفلك وطباعه، ولكن الأهداف التي تريد أن تصل إليها هي ما يلي:

  • عليك أولاً أن تعطيه شعوراً بالثقة والأمان والاطمئنان، علاقتك النفسية معه مهمة جداً على المدى الطويل، فلا تخسرها.
  • تنمية الوازع الديني والأخلاقي لديه، وتشجيع حس المراقبة الذاتية عنده.
  • أن يعرف أن ما شاهده خطأ، أصل الفعل خطأ، ومشاهدته خطأ، وعليه أن يبتعد عن ذلك.
  • تحذيره من ألا يتحدث مع أحد حول ما شاهده إلا أباه أو أمه، وتشجيعه على أن يتحدث مع والديه كل ما طرأ معه أمر جديد، سواء تعرض لشيء جديد، أو بدأت عنده تساؤلات جديدة حول ما رأى وشاهد.

 

وهناك العديد من الأدوات التي يمكن للوالدين استخدامها، من ذلك التأكيد على الطفل أن ما رآه هو من الأفعال الشاذة والخاطئة، ويمكن إن كان عمره مناسباً أن يقال له أن هذا هو الزنا الذي هو حرام وكبيرة من الكبائر (بالمناسبة، الكثير من الصغار يعرفون كلمة “زنا” لأنها ترد عليهم في القرآن الكريم ولا يعرفون معناها، أو عندهم أفكار سطحية عنها)، بالتالي يمكن التركيز في الكلام على الوازع الديني، وعظم إثم من يفعل هذه الأفعال. كما يمكن التركيز على فضيلة غض البصر، ويمكن أن نورد له قصص من التاريخ عن أشخاص ابتعدوا عن الزنا، مثل قصة نبينا يوسف عليه السلام، وقصة المسكي التراثية.

 

وانتبه إلى ما يلي أثناء حديثك معه:

  • لا تقوم بإلقاء اللوم عليه أو تعنيفه.
  • لا تحاول تسطيح الموضوع بادعاء أن ما شاهده غير حقيقي.
  • حاول أن تمنح الطفل شعوراً بالرعاية والاهتمام والحماية أولاً وطوال الوقت.
  • اعمل على أن تمنحه شعوراً أن ما يشعر به الآن هو أمر طبيعي، سواء كان خوف، أو غضب، أو ضيق، أو عدم فهم وتشويش.
  • لا تقوم برد فعل عنيف وصادم كأن تسحب من بين يديه الآيباد أو تغلق تماماً الكمبيوتر في وجهه. هذا سيجعله لن يتحدث معك في أي شيء مماثل يواجهه غداً. وهذا سيمنحه شعوراً أيضاً بأنه هو السبب في الخطأ وأنك تلقي باللوم عليه.
  • اجعله يشعر أنك سعيد لأنه نحدث معك وصارحك بهذا الموضوع.

 

وإن رأيت أن هناك تأثيراً نفسياً قوياً على طفلك جراء ما شاهد، ولا يمكنك احتواء ذلك، فالأفضل حينها أن تستشير طبيباً نفسياً مختصاً ليحاول مساعدتك.

 

هل هذا يكفي؟

كلا بالطبع، كل ما سبق هو لمحاولة تجاوز أزمة حصلت، ولكن ما حصل هو جرس إنذار لنا أن هناك خللاً في نظام الرقابة الموجود في الأسرة.

علينا بعد ما حدث أن نعيد النظر في طبيعة استخدام الطفل للأجهزة الإلكترونية والحاسب الآلي.. من الخطأ أن نمنعه من استخدامه فجأة، ولكن علينا أن نضع القيود والضوابط التي تكفل بقدر الإمكان عدم تكرار ما حصل.. ونركز بالذات على الثغرة التي حصلت منها الحادثة.. إن كانت على سبيل المثال خللاً في الرقابة على متصفح الإنترنت فعلينا بتفعيل خاصية البحث الآمن فوراً..

ثم علينا أن نزيد من الرقابة على الطفل نفسه وعلى تصرفاته، هل هناك تغيير ملحوظ عليه؟ هل بدأت عليه علامات الانطواء، الخوف، عدم الرغبة في النوم؟ كل هذه المؤشرات تعني أن علينا أن نقترب أكثر منه، المشكلة لم تحل بعد.

كما علينا أن نمنع الطفل من أن يبقى لوحده فترات طويلة مع اقران له من الجنس الآخر، ويمكن أن نمنعه من المبيت عند أي أحد من أقاربه على الأقل في الأشهر الأولى بعد تلك الحادثة.

 
أضف تعليق

Posted by في 25 مارس 2018 بوصة Uncategorized