RSS

الرواية المصوّرة: الجنيّة لغازي القصيبي.. تصوّر بصري ممتع لعوالم الجنّ

12 جوان

كنت متحفّزاً في الحقيقة للنسخة المصوّرة من هذه الرواية.. فرواية الجنّية لمن يعرفها هي رواية مختلفة.. تدور بين عالمي الإنس والجن.. والكتابة عن عالم الجن ووصفه بصرياً تحدّ بذاته.. ولكن تخيّلُ هذا العالم وشخصياته بصرياً وتجسيده في رسومات تحدّ أكبر وأصعب..

كيف يا ترى ستقوم الرواية المصوّرة بهذه المهمة؟ هل سنرى سرداً قصصياً وعوالم مرسومة تليق بمستوى الرواية الأصلية لغازي القصيبي؟ وكيف سيتم رسم الكائنات التخيلية، وشخصيات الجنّ؟ أم أنني سأندم أنني أطلعت على هذه الرسومات وتشوهت عندي الصورة الذهنية التخيلية للرواية الأصلية (كما حصل مع المجموعة القصصية المصورة لعدي الحربش)؟

*   *   *

شدّني الرسم منذ البداية، جميل ومتناسق، ومن الواضح أن الرسّام يتقن صنعة القصة المصوّرة إلى حد كبير، من حيث التنقلات، رسم الشخصيات، تعابير الأوجه، كما أن الصفحة بها عدد كوادر (مربعات رسم) جيّد، ولا يلجأ للفرد الشديد (كما في رسم المجموعة القصصية لعدي الحربش)، تقنيات الرسم الجميلة هنا كانت مشابهة لتقنيات رسم رواية الوسمية، وانتبهت بعدها أن الرسام هو نفسه في الروايتين.

كما أن التصوير البصري للجنّ والعفاريت أعطى الرواية المصوّرة ميزة خاصة بها، كان من الجميل أن نرى تصوراً بصرياً لأنواع من “الجنّ” كانوا يخوفوننا بها ونحن صغاراً، مثل أم السعف والليف في الأحساء، وجني النخل دعيدع الظريف، والسعلوّة في المنطقة الوسطى، وقعود حايل، والثعبان أبو قرون في المدينة المنورة.

*   *   *

السرد القصصي للرواية المصوّرة تفوّق في جوانب، وأخفق في جوانب أخرى، ومع أنني في العموم استمتعت بقراءة هذه الرواية المصوّرة، ولكن الإخفاقات في السرد كانت مزعجة. والمقصود بالسرد هنا كتابة “سيناريو” القصة المصورة.

أول نقطة مزعجة كانت العشوائية في الاختصار، في المواضع التي كان فيها سرد روائي تم تقطيعه بشكل غير مدروس، لنرى أجزاء كاملة منه في الرواية المصورة، وتختفي أجزاء بالكامل، ففي الفصل الثامن مثلا تسرد الرواية المصورة كل شيء كما هو حتى تملأ صفحتين، ثم تقطع النص وتنتقل للفصل التالي، وكأن المطلوب هنا ملأ عدد من الصفحات بغض النظر عن ما تقوله الرواية الأصلية، وتكرر هذا الاجتزاء المفاجئ في عدة فصول، والتصرف الأفضل هنا كان الاختصار من عموم الفصل، كما فعلت الرواية المصورة في الفصل التاسع مثلاً، والفصل السادس عشر.

وعلى طاري الاجتزاء، حدث العكس عندما يكون في الرواية الأصلية حوارات، حيث تأتي بها الرواية المصورة كاملة من دون أي اجتزاء أو اختصار، تأتي بها كما هي.

وهذه التفرقة بين تناول النص السردي وتناول الحوارات سبّبت خللاً في وزنية الرواية المصورة مقارنة بالرواية الأصلية، حيث أن مناطق السرد في الرواية الأصلية تم اختصار مساحتها إلى النصف في المساحة التي احتلتها في القصة المصورة، في حين احتلت مساحة الحوارات مساحة تصل إلى مرة ونصف في الرواية المصورة، وينتج عن ذلك أن من يقرا الرواية المصورة سيرى أن الحوارات هي التي تهيمن على الرواية، بشكل أكبر بكثير من وجودها في الرواية الأصلية لغازي القصيبي.

وبالحديث عن الفصول، فإن التجزئة لفصول اختفى في الرواية المصورة، ومع أن هذه التجزئة لم تؤثر كثيراً على مسار الرواية المصورة (كما هو الحال في الرواية المصورة الوسمية والتي أضر عدم التقسيم بها)، إلا أن التجزئة هنا لها دور نفسي في تقبل القارئ للعمل، حيث أن التجزئة لفصول أمر مفضل في الروايات المصورة الطويلة.

*   *   *

بعد كل هذه الملحوظات على سرد الرواية المصوّرة (السيناريو)، لا بد من ذكر نقاط قوته، وهي تركزت في نقطتين أساسيتين، الأولى محافظته على الخط العام القصصي للرواية الأصلية، وعدم خروجه عنه، أو إخلاله به خللاً يضر بالسياق القصصي الأصلي، والثانية: أن سيناريو القصة المصورة حافظ على النصوص الأصلية التي كتبها الراحل غازي القصيبي، حيث أن الاختصار في أغلبه تمّ بانتقاء نصوص من الرواية الأصلية، وهذه نقطة مهمة في الحفاظ على روح الرواية الأصلية في هذه الرواية المصوّرة.

*   *   *

من الملاحظات الجانبية على العمل عدم استغلاله لإمكانيات القصص المصورة في عدة أماكن، فالقيمة الأساسية للقصة المصورة هو (الرسم والتصوير البصري)، وفي الرواية الأصلية التي كتبها الراحل غازي القصيبي وصفٌ بصري للعديد من الشخصيات والأماكن.. وحينما تناولتها الرواية المصورة أتت بالنص الأصلي الوصفي كاملاً، بدون الاهتمام بالرسم بناء على هذا الوصف، وكان من الأفضل والأكثر احترافية وجمالية لو تم اختصار النص هنا، وتجسيد كل الوصف البصري الذي كتبه الكانب في تفاصيل الرسم، من ذلك مثلاً توصيف شخصيات الجن الثلاث الذين قابلهم البطل في الفندق، والذين تم رسمهم بشكل بسيط، وتم إيراد وصفهم البصري المكتوب كاملاً.

*   *   *

نقطة أخيرة مهمّة، تكررت في هذه الرواية وفي جميع إصدارات مشروع الروايات المصوّرة، وهو عدم تحديد العمر على الغلاف، هذه الرواية المصوّرة بكل تأكيد ليست للصغار، وبها العديد من المواضع والمشاهد التي لا يمكن أن تكون بين أيدي الأطفال على الإطلاق، كمشاهد وحديث الجنّ، والعلاقات بين الجنسين، ومغامرات البطل النسائية، والكلام الكثير في الرواية عن العلاقات الجنسية بين الإنس والجنّ بتفاصيل فقهية وقصص مرويّة، وسبق التنويه على أهمية ذلك، خصوصاً وأن مجتمعنا لم يألف القصص المصورة للكبار، بالتالي من الوارد أن يتعلق أحد الصغار بهذه الرواية لأنها مصورة، ويقتنيها أبوها له، وهو يعتقد أنها كتاب للأطفال.

للتوضيح، هناك فارق بين الرواية الأصلية والرواية المصوّرة في موضوع أهمية تحديد العمر على الغلاف، فالرواية الأصلية من الواضح للجميع أنها ليست للصغار، أما الرواية المصوّرة فهي تتقاطع مع مطبوعات الصغار لأنها قصة مصوّرة طويلة، والكثيرون من الصغار والكبار لا ينتبهون، أو لا يعرفون، ان هذه القصص المصوّرة للكبار وليست للصغار.

*   *   *

استمتعت كثيراً بقراءة الرواية المصورة الجنية، والتي أضافت أبعاداً تصويرية رائعة للرواية الأصلية للراحل غازي القصيبي.. وأرى هذا العمل خصوصاً خطوة مهمة في مشروع تحويل الروايات السعودية لروايات مصورة، أولاً لأن الرواية الأصلية عملٌ أدبي مهم كتبه أحد أهم الأدباء في التاريخ السعودي المعاصر، وثانياً لأن الرواية ليست رواية درامية عادية، بل بها الكثير من الخيال غير المعتاد، أي أن إنجاز عمل مهم وصعب مثل هذا سيجعل من تحويل أغلب الروايات السعودية لأعمال مصورة أمراً سهلاً وممكناً.

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 12 جوان 2024 بوصة Uncategorized

 

أضف تعليق