وانطلقت قناة أجيال.. مع أول أيام عيد الفطر المبارك..
ومع أنه من الجميل أن تبدأ قناة أطفال بثها في أول أيام العيد، إلا أن قناة أجيال لم توفق في ذلك..
لماذا؟..
لأن إطلاق قناة فضائية.. بكل بساطة.. يحتاج إلى فترة إعداد لا تقل عن ستة شهور.. وقد تزيد عن السنة..
أما قناة أجيال فقد ضربت الرقم القياسي.. حيث لم يفصل بين إعلان نية وزارة الإعلام السعودي إطلاق قناة للأطفال وبين يوم بدء بثها الفعلي سوى شهر واحد فقط!..
لاحظوا هنا أن هذا الشهر من المفترض أن يتخلله وضع الرؤية العامة للقناة، خطتها، هيكلتها البرامجية، بناء اتصالات مع منتجي برامج الأطفال ومزودي المحتوى المناسب لهم، حسم الكثير من القضايا التي تتعلق بالهوية والمحددات التربوية للعرض، بناء الطاقم الإداري، بناء الطاقم الفني، تعيين المذيعين وتدريبهم، خطة القناة التسويقية.. إلخ.
فيا ترى هل سارت الأمور بعجلة زمن مختلفة هذه المرة؟..
أم أن هناك حسابات أخرى تدور خلف الكواليس؟
* * *
في اعتقادي أن ما جعل القناة تظهر بهذه السرعة كان نتيجة لأحد أمرين، أو كلاهما..
الأول، قلة الخبرة وضعف المهنية، خصوصاً وأن القناة انطلقت من رحم التلفزيون السعودي، وهل يعلم أحدنا أي تميز للتلفزيون السعودي في برامج الأطفال حتى يكون لديه من الطاقات ما يكفل إنتاج قناة أطفال مميزة ومنافسة؟
الثاني، الصراعات المعتادة في الوزارات والمؤسسات الكبرى، حيث يستخدم عامل الزمن والسرعة بطريقة غير مهنية، ولنا أن نتخيل هنا أحداً طامعاً في منصب مهم في هذه القناة، فيبدأ بإثارة الإشاعات والأقاويل بأنه يتمكن من فعل الأعاجيب وبأنه قادر على إطلاق القناة في أسابيع، حينها يجد القائمون الفعليون على القناة أنفسهم في حرج، إذ لا بد أن يبرهنوا للكل أنهم قادرون على إطلاق القناة في هذه المدة الزمنية القياسية حتى يثبتوا جدارتهم.. وهذا كثيراً ما يحدث حولنا.. والضحية هو المُنتَج أياً ما كان شكله.
وفي كلا الأمرين، تتحمل القيادات المسؤولية، فهي من يفترض أن تكون على علم بحيثيات هذين الأمرين، وخطرهما على أي مسار إنتاجي، وبالتالي ترتيب الأمور لحماية المسار، وحماية القائمين عليه من أي تدخل يربكهم ويضر بنفسياتهم وجودة إنتاجهم.
* * *
نتيجة هذه السرعة القياسية في بدء البث كانت واضحة لكل من تابع انطلاقة القناة..
وأولها أن ابني الصغير يلح علي بأن أغير المحطة إلى أي قناة أطفال أخرى!..
لماذا يا ترى؟..
عندما بدأت بمشاهدة القناة في أيامها الأولى.. كان كل من يزورني ويشاهدها معي أثناء ظهور المذيعين يعتقد أنها قناة جديدة للشباب وليست للأطفال.. حيث بدا واضحاً أن المذيعين الأربعة الذين اختارتهم القناة لم يتم تدريبهم بالشكل الكافي ليكونوا مذيعي قناة أطفال.. حيث أن المذيع هنا لا بد له من تدريب خاص ليتعلم كيفية التعامل مع الطفل، من حيث الأسلوب وطريقة إدارة الحوار والمواضيع التي تطرح وغيرها، إضافة إلى ذلك فإن الديكور وطريقة الإخراج غير الاحترافية لعبا دوراً مهماً في إضفاء صفة القناة الشبابية على فقرات ظهور المذيعين..
ومن الواضح هنا أن قناة أجيال اختارت أن تتبع النمط الذي ابتكرته قناة MBC3 للأطفال، وهو المذيع النجم، حيث كان أول تطبيق لهذه النظرية في منطقتنا على شاشتهم، ونجحوا نجاحاً باهراً في ذلك، وعلينا أن نتذكر هنا أن الإعداد لقناة MBC3 أخذ أشهراً طويلة، ومن الواضح أن المذيعين الاثنين (حسن ودانية) قد تم اختيارهم بعناية، وتدريبهم ليكونوا بحجم هذه المسؤولية.. ونذكر أيضاً هنا أن قناة نيكولوديان العربية اختارت اتباع هذا النمط ولكنها فشلت فيه لعدم اختيارهم مذيعين مناسبين للجمهور في الخليج بالدرجة الأولى.
ولا يعاب على قناة أجيال تبنيهم لهذا النمط من حيث المبدأ.. ولكنهم وقعوا في أخطاء التقليد غير الاحترافي، حيث كان من الممكن اختيار مذيعين أفضل، وأيضاً إخضاع المذيعين للتدريب المناسب، ولكن ما رأيناه لم يدل على ذلك أبداً.. كما حاولت أجيال ابتكار طريقة جديدة في صناعة (المذيع النجم) عن طريق بث فواصل تعرف بالمذيعين وتعطي كل واحد منهم هوية واضحة، ولكنها لم توفق في ذلك، حيث بدت هذه الفواصل سمجة وأبعد ما تكون عن الاحترافية..
* * *
في ظل تطور وسائل التكنولوجيا.. والتنافس الشديد محليا وعالمياً على تقديم المحتوى المتميز.. لا بد وأن يكون لأي منتج إعلامي جديد هوية واضحة ومميزة، مطروحة في قالب جميل..
ولكن لا يبدو لقناة أجيال أية هوية مميزة.. فشعار القناة يبدو وكأنه قد تم تصميمه من عشرين أو ثلاثين عاماً.. ووجود الرجل الآلي الطائر معه لم يكن موفقاً حيث أنه يعطي نفس الإيحاء خصوصاً عندما يقترب وتحتل عيناه أغلب الشاشة.. والفواصل التي تقدم هذا الشعار تحمل أحياناً رسومات كلاسيكية قديمة أبعد ما تكون عن ما يحبه ويعشقه أطفالنا اليوم..
فهل يمكن بالتالي لقناة أجيال أن تشد الطفل بعيداً عن قنوات الأطفال الأخرى الريادية التي تتنافس على استخدام أحدث أنماط الرسم والتحريك وأجمل الألوان وأحدث التصاميم؟!..
من ناحية أخرى.. يبدو التخبط واضحاً على الهيكل البرامجي للقناة، فلا يوجد نمط واضح لطريقة عرض البرامج ومسلسلات الكرتون، وإعلانات الكرتون نفسها تثير الدهشة، حيث يظهر إعلان لمسلسل ما بدون أن يوضح الإعلان متى موعد بثه، كما تخللت أيام البث الأولى فترات انقطاع غريبة، ففي منتصف اليوم، أي وقت الذروة بالنسبة للأطفال، يظهر فاصل القناة أحياناً في انقطاع برامجي لمدة تصل إلى النصف ساعة، يضاف إلى ذلك أن بعض الفقرات التي تتخلل فترات ظهور المذيعين تبدو مهلهلة، مثل التقرير الذي بثته القناة ثالث أيام العيد عن الأطفال في باكستان وكيف يحتفلون بالعيد في فقرة مخصصة لذلك، وعرض التقرير مدخل كرتوني لطائرة تذهب من السعودية إلى باكستان، ثم ظهرت طفلة باكستانية تقول بلغتها عبارات تحية للمشاهدين، ثم تختم ذلك بأن قناة أجيال هي قناتها الأولى وأنها تتابعها باستمرار!.. التقرير لم يزد عن دقيقة أو دقيقتين، ولم يعرض أي شيء عن احتفالات الأطفال بالعيد في باكستان.. ترى لو أرادت قناة الجزيرة للأطفال مثلاً عرض مثل هذا التقرير فهل سيكون مهلهلاً بهذه الطريقة؟.. ثم.. كيف أصبحت قناة أجيال هي القناة الأولى لطفلة تعيش في الباكستان وهي في ثالث أيام بثها؟!
* * *
علمت أيضاً أن القناة تبث فضائياً فقط.. ولا تظهر أرضياً.. ولم أتأكد بنفسي من هذه المعلومة.. ولكن إن صح ذلك فهذا في اعتقادي أكبر خطأ تقع فيه القناة.. حيث أن الجمهور الأساسي الذي تراهن عليه قناة أطفال مثل أجيال هو جمهور أطفال السعودية، خصوصاً من لا تصلهم القنوات الفضائية في منازلهم.. وهي إن فعلت ذلك ستحقق انتشاراً واسعاً في كافة مناطق المملكة وتسيطر على جمهور خاص يعطيها ميزة تنافسية عن غيرها بكل سهولة..
* * *
بعد كل هذا..
لو استعان التلفزيون السعودي بخبرات مميزة في تلفزيون الطفل.. واستقطب من يستطيع من قنوات الأطفال القيادية في الساحة، وأعطاهم الإمكانات اللازمة.. ووفر لهم الحماية من التدخلات غير المسؤولة.. لأمكن حينها الرهان على نجاح قناة أجيال..
أما في الوضع الحالي فلم تشكل قناة أجيال سوى رقم يضاف إلى قائمة قنوات الأطفال في الساحة العربية..
ولا أعتقد أن هذا الرقم لديه من المقومات ما يجعله يحتل مركزاً قيادياً.. أو يمنحه تميزاً خاصاً.. على الأقل على المدى القريب..
بل سيبقى رقم..
ورقماً فقط!..
* مقال منشور في المفكرة الإعلامية