RSS

“شبيك لبيك”.. بوابتك للروايات المصورة للكبار

27 أوت

منذ شهر تقريباً.. لمحت على الرف في مكتبة جرير رواية مصورة جديدة.. رواية للكبار.. من ثلاثة أجزاء..

اسمها: شبيك لبيك..

شدتني رسومات الغلاف.. وشدتني عبارة أنها فائزة بالجائزة الكبرى في مهرجان القاهرة الدولي للقصة المصورة..

وشدني فضولي لكل ما هو جديد في عوالم الرواية المصورة للكبار..

فاقتنيتها..

واصطحبتها معي إلى السويد..

* * *

حينما بدأت بقراءة الجزء الأول.. عرفت أنني أمام عمل مختلف..

الكثير من الروايات أو القصص المصورة يتم بناؤها بشكل “اقتصادي”.. وفقاً لـِ “باكج” معين.. تماماً مثل مسلسلات رمضان.. التي لا بد وأن تكون ثلاثين حلقة، حتى لو لم تكن القصة في أصلها تنفع أن تكون على ثلاثين حلقة، لذلك يتم “مطّ” القصة، أو “ضغطها”، لتوافق “الباكج” الاقتصادي المتعارف عليه. وطبعاً يعمل المُنتج على ذلك ويضغط على الجميع لتحقيق الهدف، وتكتمل الحلقات بأقل تكلفة مالية ممكنة..

في القصص المصورة شيء مثل ذلك..

الكثير منها يعيش في ظل صراع ما بين “المُنتج” الذي يريد أكبر عدد ممكن من المشاهد المصورة في أقل عدد ممكن من الصفحات، لتقليل تكلفة الكتابة والرسم والطباعة، وما بين الكاتب والرسام اللذان يريدان إما أن يطرحاً عملهما الإبداعي كما يريان، بغض النظر عن عدد الصفحات، أو أنهما يريدان فرد العمل على أكبر ممكن من الصفحات ليزيد أجرهما.

أما في هذا العمل.. شبيك لبيك.. فلا وجود لأي شيء من ذلك..

الكاتب والرسام هما شخص واحد -وهذه نقطة في صالح العمل-، ومن الواضح أن المؤلفة “بما أن الكاتب والرسام واحد، فسنكتفي من الآن بتسميتها المؤلفة، ومؤلفة بالمؤنث لأنها فتاة”، كنت أقول أنه من الواضح أن المؤلفة قد أخذت راحتها تماماً في الإبداع في سرد القصة، بدون أي حواجز أو قيود إنتاجية..

هي تكتب وترسم.. كما ترى أنه الأفضل والأجمل للقصة.. وفقط..

ونقطة أخرى صادمة من البداية..

تبدأ الرواية، وفي صفحاتها الأولى بمشهد سريع لفتاة.. وينتهي المشهد بتقطع أطرافها.. بشكل بشع وصادم.. وهذا ما يركد أيضاً أن المؤلفة قد أخذت راحتها في طرح ما تريد بدون أي “وصاية” عليها من أي منتج أو ناشر.

* * *

نعود إلى الرواية..

ومشهد الفتاة ذات الأطراف المقطعة..

هذا المشهد، هو مطلع الرواية، وكأنه مشهد تلفزيوني سريع يعطي مقدمة صادمة لأجواء الرواية.. في هذا المشهد نرى فتاة تشتري “أمنية”، ونعرف أن هذه الأمنية هي من الأمنيات الرخيصة، أمنيات الدرجة الثالثة.. تشتري الفتاة “زجاجة” الأمنية، وتفتحها ليطلب منها “الجني – سنعرف أنهم جنّ ولكن بدون أن نرى منهم أحد في كل أجزاء الرواية” أن تطلب وتتمنى ما تريد.. فتتمنى أن ينقص وزنها 10 كليوغرامات.. لتتحقق أمنيتها فوراً بفقدانها لساقيها، وذراعها..

لقد نقصت 10 كيلو.. وتحققت أمنيتها.. أليس كذلك؟

وهنا نعرف أن أمنيات الدرجة الثالثة.. الأمنيات الرخيصة.. هي أمنيات غدّارة.. تحقق لصاحبها أمنيته.. ولكن بتأويلها هي..

لحظة.. أمنيات؟ ما هي هذه الأمنيات؟!

* * *

شيئاً فشيئاً سنتعرف على عالم الرواية الغريب..

بيئة الرواية هي البيئة المصرية الشعبية.. البيئة المعتادة التي نعرفها جميعاً..

ولكن في هذا العالم.. هناك أمنيات تُباع في زُجاجات..

وهذه الأمنيات هي ثلاث مستويات، درجة أولى فاخرة، ودرجة متوسطة.. ودرجة ثالثة سيئة..

وسنعرف أيضاً أن العالم يحاول أن ينّظم ويقنن استخدام هذه الأمنيات.. كمنع الحكومات لأمنيات الدرجة الثالثة لكثرة المصائب التي تحدثها “كالفتاة التي تقطعت أطرافها”.. ووضع قوانين وأنظمة لاستخدامات أمنيات الدرجة الأولى والثانية حتى لا يُساء استخدامها.. ولتخفيف الصراعات حولها..

* * *

نعود إلى الرواية..

بعد المشهد الافتتاحي صاحب الفتاة ذات الأطراف التي تقطعت.. تدخل الرواية في بيئتها الحقيقية..

ونبدأ في التعرف على أبطالها..

شكري، بائع في كشك في أحد شوارع القاهرة.

و (الحاجّة)، المرأة المحجبة الكبيرة في السن التي تأتي له باستمرار لشراء السجائر.. وتقضي وقتها في الدردشة معه.

في حوارهما، يحكي شكري للحاجّة أن أباه قد ورّثه ثلاث زجاجات أمنيات من الدرجة الأولى، وأنه عرضها للبيع منذ فترة طويلة ولكن لا أحد يشتريها..

ربما لأنهم لا يصدّقون أن كشكاً صغيراً متواضعاً مثل كشكه يمكنه أن يكون لديه هذه الأمنيات الثلاث..

حينها تتطوع الحاجّة لتساعده في الترويج لها.

هذه الزجاجات الثلاث، هي محور الأجزاء الثلاثة من روايات “شبيك لبيك”.

* * *

في الجزء الأول.. تأتي “عزيزة”.. امرأة عادية من حارة عادية من حارات مصر الشعبية.. أرملة.. مات زوجها في حادث سير..

تكافح عزيزة كثيراً لتجمع قيمة زجاجة الأمنية.. وحينما تنجح.. وتشتريها.. يتم القبض عليها لأنه لا أحد يصدق أن امرأة ضعيفة الحال مثلها يمكن أن يكون لديها أمنية من الدرجة الأولى.. وتدخل في دوامات من الضغوط لسنوات حتى تتخلى عن أمنيتها لغيرها “لأن من قوانين أمنيات الدرجة الأولى ألا يتم الاستيلاء عليها بالقوة، وإلا فلن تعمل”.

وتقاوم بكل قوتها لسنوات لتحافظ عليها..

والمثير، أنه لا أحد يعلم لماذا هي متعلقة كل هذا التعلق بالأمنية.. وما هي الأمنية التي تريدها!.

* * *

الجزء الثاني.. تحفة فنية.. نفسية!

تغوص في عوالم التعقيد النفسي للنفس البشرية.. والتخبط.. والاكتئاب..

بطلة الجزء الثاني.. فتاة جامعية.. من أسرة ثرية.. اسمها (نور)..

تمر يومأً بالصدفة هي وأصحابها عند كشك “عم شكري”، ليشاهدوا إعلان الأمنيات ذات الدرجة الأولى، ويسخر أصحابها من هذا الإعلان.. زاعمين أنها أمنيات مغشوشة..

ولكن (نور) تقوم بتصويرها.. وتعود لبيتها..

وحينها.. نبدأ بالتعرف على حالة نور النفسية.. الغريبة..

وتأخذ المؤلفة راحتها في توصيف حالتها.. وطرق تفكيرها.. والرسوم البيانية الغريبة المستمرة التي تراها في عقلها.. وحالة الاكتئاب الشديدة التي تنجرف إليها شيئاً فشيئاً..

حتى تتذكر تلك الأمنيات.. فتفتح الانترنت وتتأكد فعلأً أن الأمنيات أصلية.. لتعود وتشتري الزجاجة الثانية.

ولكنها تدخل في دوامة أعمق من التفكير والاحتمالات.. هل تستخدم الزجاجة أم لا..

وتستمر حالتها النفسية في التعقد أكثر وأكثر.

* * *

الجزء الثالث.. هو تحفة السلسلة..

حيث نعود فيه إلى تاريخ عم شكري، وكيف حصل أباه على هذه الزجاجات الثلاث الأصلية.. وتاريخ العائلة معها.. واعتقادهم بأنها شريرة لأن فيها استعانة بالجنّ على تغيير قضاء الله..

ثم انتقالهم إلى القاهرة..

ثم نعود للزمن الحالي.. وشكري يدردش كعادته مع “الحاجّة”.. ليكتشف مفاجأتين..

الأولى، أن الحاجة اسمها “كريستين”، مسيحية..

والثانية، أن لديها أورام سرطانية.. وتتعالج منها.. ولم تذكرها من قبل.

ويمرّ شكري بتحولات فكرية، ليقتنع أن هذه الأمنيات حلال.. وليست حرام..

حينها يقرر عم شكري أن يعطي الزجاجة الثالثة للحاجة كريستين لتعالج نفسها.. ولكنها ترفض بشدة.. وتبدأ معركة تفكير عند شكري كيف يستخدم الزجاجة الثالثة لعلاج الحاجة كريستين..

وبعد الكثير من الضغط، تروي الحاجة كريستين له حكايتها.. لنكتشف أن لها قصة عميقة.. ولها تاريخها الخاص مع الأمنيات هي أيضاً.. تاريخ فيه صراع بين قرى الصعيد.. وقتل وانتقام.. وحتى “تنانين”!.. هذا التاريخ يجعلها ترفض هذه الأمنية من عم شكري..

وفي النهاية، يهب “شكري” الأمنية لأحد آخر في الحارة.. يعرفه منذ زمن..

وهي نهاية مفاجئة وظريفة في نفس الوقت.

* * *

“شبيك لبيك” هي مثال قوي، ورائع.. للروايات المصورة للكبار..

وأصبحت أنصح بها كمادة قرائية.. لكل أصدقائي من عشاق الأدب.. ليتعرفوا على هذا الفن الجميل.. الذي لا يزال في بداياته في عالمنا العربي..

وفي زياراتك المقبلة لمكتبة جرير.. يمكنك أنت أيضاً أن تجرّب أن تخوض أيضاً هذه التجربة القرائية الجديدة..

وأعتقد أنها ستكون تجربة جميلة.. ومختلفة..

(ولكن عليك أن تسأل عنها الموظف في قسم الكتب العربية، لأن كل فرع من جرير يضعها في مكان مختلف، مرة مع قصص الأطفال، ومرة مع روايات الكبار، لأنه ليس لديهم حتى الآن تصنيف خاص بالروايات المصورة للكبار!).

وننهي هنا.. باللوحة الأخيرة (الرايقة) التي انتهت بها هذه الثلاثية الجميلة:

 
تعليق واحد

نشر بواسطة: في 27 أوت 2024 بوصة مقالات

 

One response to ““شبيك لبيك”.. بوابتك للروايات المصورة للكبار

  1. أفاتار مساعد آل رمان

    مساعد آل رمان

    27 أوت 2024 at 9:52 م

    تقرير جميل وفعلا شدتني حكاية القصة، فكرة الرواية المصورة لم تخطر لي على بال قبل ذلك،

     

اترك رداً على مساعد آل رمان إلغاء الرد