RSS

Author Archives: فهد الحجي

حينما تعمل لأجل أن يلعب ابنك كرة القدم!


استيقظت باكراً جداً على غير العادة.. فاليوم هو يوم الأحد.. عطلة نهاية الأسبوع.. والتي تعتبر هي المغنم في النوم لتعويض كل ما فات من نوم يحتاجه جسدي خلال الأسبوع..

ولكن اليوم كان غير ذلك..

نهضت لوحدي.. فالكلّ نيام.. جهزت قهوتي وأفطرت وأنا أحاول ألا أثير أي ضجة في البيت قد توقظ زوجتي وأولادي في هذا الوقت الباكر..

تجهزت.. ثم خرجت بهدوء من المنزل..

* * *

الطريق كان هادئاً.. كالمنزل..

فمن ذا الذي سيخرج من بيته الساعة السابعة والنصف صباحاً يوم الأحد؟

كان الجو جميلاً.. معتدلاً.. فتحت النافذة لأستشعر هواء الصباح المنعش..

وبعد حوالي ربع الساعة.. وصلت إلى وجهتي..

* * *

كان موعد اللقاء ساحة مواقف أحد محلات التسوق الكبرى في مدينتنا..

وهناك.. وعلى عكس المدينة الهادئة النائمة.. كان قد بدأ تجمع بشري كبير نوعاً ما..

أوقفت سيارتي.. وترجلت.. لأنضم إليهم..

كان العدد يزيد على 100 شخص.. نساء ورجالاً..

من مختلف الأعمار.. أغلبهم بين الثلاثين والخمسين..

ومن خلفيات مختلفة.. سويديين.. أوروبيين.. شرق أوسطيين.. آسيويين..

ومن خلفيات مهنية مختلفة.. أطباء، ورجال شرطة.. ومهندسون.. وعمال بناء.. وغير ذلك..

ولكن.. كان يجمع بيننا رابط واحد.. وهو السبب في اجتماعنا في هذا الصباح الباكر في عطلة نهاية الأسبوع في مواقف مركز التسوق..

وهو أن أبناءنا يلعبون كرة القدم!

* * *

حسناً.. ما الحكاية؟

بداية تعرفي على هذا المبدأ.. وهو أن يعمل الآباء مقابل أن يلعب الأبناء في النوادي.. كانت حينما التحق ابني الأكبر بنادٍ لكرة السلة قبل سنوات..

حينها.. وصلتنا -نحن الآباء والأمهات- رسائل بأن علينا أن نعمل في أعمال مختلفة.. تدرّ على النادي دخلاً.. ليتمكن النادي من تسيير أموره ودفع تكاليفه..

حينها استغربت.. لماذا نعمل؟ خصوصاً وأن المبالغ التي سيحصلها النادي من عمل الآباء والأمهات ليست كبيرة.. وبإمكانه أن يطلب من الأهالي دفعها مباشرة..

وبعد سؤال.. وتحري.. عرفت السبب..

السبب هو المساواة بين جميع اللاعبين.. والأهالي.. سواء كانوا أغنياء أو فقراء.. حتى لا يشعر من أموره المادية سيئة، ولا يستطيع دفع هذه المبالغ، بأي دونية أو فرق.. وحتى لا يتسبب ذلك أيضاً بألا ينضم أبناء محدودي الدخل إلى النوادي.. لتكون النوادي لأبناء الميسورين فقط.

والحل.. هو العمل..

فقد لا يتمكن محدودي الدخل من المشاركة في الدفع وتحمل التكاليف.. ولكن لن يكون لديهم مانع بأن يعملوا في أعمال عادية.. مشاركة مع جميع الأهالي.

* * *

حينما كان ابني الأول في فريق السلة.. عملت حينها مع بقية الأهالي في عدة أعمال..

وأكثر الأعمال كان أن نستلم قسم استلام المعاطف -في الشتاء- في صالة المعارض الكبرى عندنا في المدينة.. حيث نقف بعد بوابة الدخول.. نستلم من كل زائر معطفه ونعلقه له عندنا، ونعيده إليه حينما يخرج، ويدفع مبلغاً رمزياً مقابل هذه الخدمة..

كان عملاً بسيطاً.. يمكن لأي أحد أن يقوم به.

ولكن.. أغرب عمل قمت به حينها.. -أو قمنا به نحن أهالي لاعبي كرة السلة-.. حينما عملنا كسيارات توصيل لمشروع غريب.. أسمع به لأول مرة.. يسعى لبناء علاقات اجتماعية بين الأزواج..

وهذه القصة.. تحتاج لتفصيل..

* * *

لم أسمع بهذا المشروع من قبل.. وتعرفت عليه حينما طلبوا منا أن نكون سائقي الأجرة.. أو التوصيل.. لهم.

هم عبارة عن مشروع بتنظيم بعض المهتمين به.. غير ربحي..

ويستهدف الأزواج.. سواء كان عندهم أبناء أم لم يكن.. ولكن المستهدف هو الرجل وشريكته.. وليس الأبناء.. وذلك لتكوين علاقات اجتماعية عائلية بين الأزواج، والأسر.

ويتم عمل هذا المشروع مرة واحدة في السنة..

الزوجان اللذان يريدان المشاركة في هذا المشروع، يرسلان طلباً للمنظمين عبر الإيميل.. قبل عدة أشهر.. ويتكلمان فيه عن نفسهما وحياتهما.. ويقوم المنظمين بدراستهم، ليقبلوهم معهم أو لا..

يقوم المنظمون بترتيب يوم الفعالية.. ليكون كالتالي..

تأتي سيارة لبيت أحد الأزواج المشاركين.. لتقلهما.. ثم تذهب السيارة لتقل زوجاً آخر.. وتأخذهم إلى منزل زوج ثالث..

ولا أحد من الأزواج المشاركين يعرف أي زوج آخر.. ولا يعرف الجدول.. ولا الوجهة..

يلتقي ثلاثة أزواج في منزل أحدهم.. لتكون هذه هي المرحلة الأولى.. يشربون القهوة. ويتعرفون على بعضهم البعض..

وطبعاً.. مثل هذه الأزواج الثلاثة.. هناك “ثلاثيات” أخرى تحدث في أرجاء المدينة في نفس الوقت.. وبتنظيم من المنظمين..

ثم تأتي سيارتين أو ثلاثة إلى هذا المنزل.. ليركب كل زوج في السيارة المخصصة له.. وتذهب كل سيارة إلى بيوت أخرى لتصطحب زوجاً آخر.. ليجتمع ثلاثة أزواج في منزل جديد.. لتناول العشاء هذه المرة..

ثم يتكرر نفس النظام بعد العشاء.. ليلتقي ثلاثة أزواج لتناول (الحلا) بعد العشاء.. في منزل جديد..

وفي كل مرة.. لا يتكرر الأزواج الثلاثة.. بل يقابل كل زوج زوجان جديدان..

وبعد ذلك كله.. يجتمع الجميع في مكان واحد.. ليسهروا معاً إلى ما بعد منتصف الليل..

ونحن.. أهالي اللاعبين.. كنا السائقين.. الذين نستلم الجداول من المنظمين.. ونقوم بتوصيل الأزواج حسب خطة دقيقة.. وفي أوقات محددة..

وينتهي عملنا حينما نوصلهم لآخر محطة.. التي يجتمعون فيها كلهم.. ولا نرتبط بهم بعد ذلك.

وبعدها بأيام.. وصلتنا جميعاً رسائل شكر.. لمساهمتنا في دعم نادي كرة السلة.. ودعم أنشطته..

* * *

عودة إلى صباح الأحد الماضي..

دخلنا مركز التسوق الكبير من باب خلفي.. استقبلنا أحد العاملين فيه.. وشرح لنا المهمة المطلوبة منا..

كان المطلوب عمل جرد شامل لمحتوى مركز التسوق.. -بالمناسبة.. مركز التسوق هذا أشبه بالهايبر ماركت، فيه كل شيء ما عدا الأطعمة-..

ثم قسمونا إلى مجموعات.. كل مجموعة من 15 شخصاً.. يتولى إدارتها موظف من عندهم..

ذهبت مع مجموعتي إلى أحد الجهات في مركز التسوق.. وزعتنا المسؤولة كل ثلاثة أشخاص في قسم صغير.. وشرحت لنا مباشرة كيفية الجرد..

ليبدأ العمل..

كان معي اثنان من الأهالي.. ضابطة في الجيش.. ورجل شرطة..

وبدأنا في الجرد.. كنا نعدّ كل الكمية الموجودة من كل صنف أمامنا ونسجله على أوراق. ونضعها عندها على الرف..

وكان من نصيبي قسم أدوات التجميل.. وصبغات الشعر!

عملنا لحوالي أربع ساعات.. عدنا خلالها إلى البوابات الخلفية لتناول وجبة خفيفة.. ثم غادرنا المكان..

في اليوم التالي.. وصلتنا رسالة شكر من النادي.. وأبلغونا أن النادي حصل على ما 9500 كرون سويدي مقابل عمل الأهالي صباح الأحد.. (أي ما يعادل 3300 ريال تقريباً، مقابل عمل 21 شخصاً من فريقنا، بقية العاملين كانوا أهالي من فرق أخرى)..

وأبلغونا أن هذا المبلغ سيذهب لدفع فواتير النادي.. ومكافآت الحكام عند إقامة المباريات.. وبعض الأمور التنظيمية..

* * *

حينما أحكي هذه الحكاية لأي شخص.. يستهجنها..

فالأسهل بالطبع أن يدفع الأهالي هذه المبالغ.. بدلاً من العمل لساعات هنا وهناك..

ولكن.. شخصياً.. وبعد تجربتي لسنوات..

أحببت هذا النظام.. على الدفع..

والسبب.. أنها تجربة اجتماعية ثرية.. ومختلفة..

ومناسبة للتعرف على أشخاص جدد..

ومجتمعات جديدة..

.

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 8 سبتمبر 2024 بوصة مقالات, طفولة

 

“شبيك لبيك”.. بوابتك للروايات المصورة للكبار


منذ شهر تقريباً.. لمحت على الرف في مكتبة جرير رواية مصورة جديدة.. رواية للكبار.. من ثلاثة أجزاء..

اسمها: شبيك لبيك..

شدتني رسومات الغلاف.. وشدتني عبارة أنها فائزة بالجائزة الكبرى في مهرجان القاهرة الدولي للقصة المصورة..

وشدني فضولي لكل ما هو جديد في عوالم الرواية المصورة للكبار..

فاقتنيتها..

واصطحبتها معي إلى السويد..

* * *

حينما بدأت بقراءة الجزء الأول.. عرفت أنني أمام عمل مختلف..

الكثير من الروايات أو القصص المصورة يتم بناؤها بشكل “اقتصادي”.. وفقاً لـِ “باكج” معين.. تماماً مثل مسلسلات رمضان.. التي لا بد وأن تكون ثلاثين حلقة، حتى لو لم تكن القصة في أصلها تنفع أن تكون على ثلاثين حلقة، لذلك يتم “مطّ” القصة، أو “ضغطها”، لتوافق “الباكج” الاقتصادي المتعارف عليه. وطبعاً يعمل المُنتج على ذلك ويضغط على الجميع لتحقيق الهدف، وتكتمل الحلقات بأقل تكلفة مالية ممكنة..

في القصص المصورة شيء مثل ذلك..

الكثير منها يعيش في ظل صراع ما بين “المُنتج” الذي يريد أكبر عدد ممكن من المشاهد المصورة في أقل عدد ممكن من الصفحات، لتقليل تكلفة الكتابة والرسم والطباعة، وما بين الكاتب والرسام اللذان يريدان إما أن يطرحاً عملهما الإبداعي كما يريان، بغض النظر عن عدد الصفحات، أو أنهما يريدان فرد العمل على أكبر ممكن من الصفحات ليزيد أجرهما.

أما في هذا العمل.. شبيك لبيك.. فلا وجود لأي شيء من ذلك..

الكاتب والرسام هما شخص واحد -وهذه نقطة في صالح العمل-، ومن الواضح أن المؤلفة “بما أن الكاتب والرسام واحد، فسنكتفي من الآن بتسميتها المؤلفة، ومؤلفة بالمؤنث لأنها فتاة”، كنت أقول أنه من الواضح أن المؤلفة قد أخذت راحتها تماماً في الإبداع في سرد القصة، بدون أي حواجز أو قيود إنتاجية..

هي تكتب وترسم.. كما ترى أنه الأفضل والأجمل للقصة.. وفقط..

ونقطة أخرى صادمة من البداية..

تبدأ الرواية، وفي صفحاتها الأولى بمشهد سريع لفتاة.. وينتهي المشهد بتقطع أطرافها.. بشكل بشع وصادم.. وهذا ما يركد أيضاً أن المؤلفة قد أخذت راحتها في طرح ما تريد بدون أي “وصاية” عليها من أي منتج أو ناشر.

* * *

نعود إلى الرواية..

ومشهد الفتاة ذات الأطراف المقطعة..

هذا المشهد، هو مطلع الرواية، وكأنه مشهد تلفزيوني سريع يعطي مقدمة صادمة لأجواء الرواية.. في هذا المشهد نرى فتاة تشتري “أمنية”، ونعرف أن هذه الأمنية هي من الأمنيات الرخيصة، أمنيات الدرجة الثالثة.. تشتري الفتاة “زجاجة” الأمنية، وتفتحها ليطلب منها “الجني – سنعرف أنهم جنّ ولكن بدون أن نرى منهم أحد في كل أجزاء الرواية” أن تطلب وتتمنى ما تريد.. فتتمنى أن ينقص وزنها 10 كليوغرامات.. لتتحقق أمنيتها فوراً بفقدانها لساقيها، وذراعها..

لقد نقصت 10 كيلو.. وتحققت أمنيتها.. أليس كذلك؟

وهنا نعرف أن أمنيات الدرجة الثالثة.. الأمنيات الرخيصة.. هي أمنيات غدّارة.. تحقق لصاحبها أمنيته.. ولكن بتأويلها هي..

لحظة.. أمنيات؟ ما هي هذه الأمنيات؟!

* * *

شيئاً فشيئاً سنتعرف على عالم الرواية الغريب..

بيئة الرواية هي البيئة المصرية الشعبية.. البيئة المعتادة التي نعرفها جميعاً..

ولكن في هذا العالم.. هناك أمنيات تُباع في زُجاجات..

وهذه الأمنيات هي ثلاث مستويات، درجة أولى فاخرة، ودرجة متوسطة.. ودرجة ثالثة سيئة..

وسنعرف أيضاً أن العالم يحاول أن ينّظم ويقنن استخدام هذه الأمنيات.. كمنع الحكومات لأمنيات الدرجة الثالثة لكثرة المصائب التي تحدثها “كالفتاة التي تقطعت أطرافها”.. ووضع قوانين وأنظمة لاستخدامات أمنيات الدرجة الأولى والثانية حتى لا يُساء استخدامها.. ولتخفيف الصراعات حولها..

* * *

نعود إلى الرواية..

بعد المشهد الافتتاحي صاحب الفتاة ذات الأطراف التي تقطعت.. تدخل الرواية في بيئتها الحقيقية..

ونبدأ في التعرف على أبطالها..

شكري، بائع في كشك في أحد شوارع القاهرة.

و (الحاجّة)، المرأة المحجبة الكبيرة في السن التي تأتي له باستمرار لشراء السجائر.. وتقضي وقتها في الدردشة معه.

في حوارهما، يحكي شكري للحاجّة أن أباه قد ورّثه ثلاث زجاجات أمنيات من الدرجة الأولى، وأنه عرضها للبيع منذ فترة طويلة ولكن لا أحد يشتريها..

ربما لأنهم لا يصدّقون أن كشكاً صغيراً متواضعاً مثل كشكه يمكنه أن يكون لديه هذه الأمنيات الثلاث..

حينها تتطوع الحاجّة لتساعده في الترويج لها.

هذه الزجاجات الثلاث، هي محور الأجزاء الثلاثة من روايات “شبيك لبيك”.

* * *

في الجزء الأول.. تأتي “عزيزة”.. امرأة عادية من حارة عادية من حارات مصر الشعبية.. أرملة.. مات زوجها في حادث سير..

تكافح عزيزة كثيراً لتجمع قيمة زجاجة الأمنية.. وحينما تنجح.. وتشتريها.. يتم القبض عليها لأنه لا أحد يصدق أن امرأة ضعيفة الحال مثلها يمكن أن يكون لديها أمنية من الدرجة الأولى.. وتدخل في دوامات من الضغوط لسنوات حتى تتخلى عن أمنيتها لغيرها “لأن من قوانين أمنيات الدرجة الأولى ألا يتم الاستيلاء عليها بالقوة، وإلا فلن تعمل”.

وتقاوم بكل قوتها لسنوات لتحافظ عليها..

والمثير، أنه لا أحد يعلم لماذا هي متعلقة كل هذا التعلق بالأمنية.. وما هي الأمنية التي تريدها!.

* * *

الجزء الثاني.. تحفة فنية.. نفسية!

تغوص في عوالم التعقيد النفسي للنفس البشرية.. والتخبط.. والاكتئاب..

بطلة الجزء الثاني.. فتاة جامعية.. من أسرة ثرية.. اسمها (نور)..

تمر يومأً بالصدفة هي وأصحابها عند كشك “عم شكري”، ليشاهدوا إعلان الأمنيات ذات الدرجة الأولى، ويسخر أصحابها من هذا الإعلان.. زاعمين أنها أمنيات مغشوشة..

ولكن (نور) تقوم بتصويرها.. وتعود لبيتها..

وحينها.. نبدأ بالتعرف على حالة نور النفسية.. الغريبة..

وتأخذ المؤلفة راحتها في توصيف حالتها.. وطرق تفكيرها.. والرسوم البيانية الغريبة المستمرة التي تراها في عقلها.. وحالة الاكتئاب الشديدة التي تنجرف إليها شيئاً فشيئاً..

حتى تتذكر تلك الأمنيات.. فتفتح الانترنت وتتأكد فعلأً أن الأمنيات أصلية.. لتعود وتشتري الزجاجة الثانية.

ولكنها تدخل في دوامة أعمق من التفكير والاحتمالات.. هل تستخدم الزجاجة أم لا..

وتستمر حالتها النفسية في التعقد أكثر وأكثر.

* * *

الجزء الثالث.. هو تحفة السلسلة..

حيث نعود فيه إلى تاريخ عم شكري، وكيف حصل أباه على هذه الزجاجات الثلاث الأصلية.. وتاريخ العائلة معها.. واعتقادهم بأنها شريرة لأن فيها استعانة بالجنّ على تغيير قضاء الله..

ثم انتقالهم إلى القاهرة..

ثم نعود للزمن الحالي.. وشكري يدردش كعادته مع “الحاجّة”.. ليكتشف مفاجأتين..

الأولى، أن الحاجة اسمها “كريستين”، مسيحية..

والثانية، أن لديها أورام سرطانية.. وتتعالج منها.. ولم تذكرها من قبل.

ويمرّ شكري بتحولات فكرية، ليقتنع أن هذه الأمنيات حلال.. وليست حرام..

حينها يقرر عم شكري أن يعطي الزجاجة الثالثة للحاجة كريستين لتعالج نفسها.. ولكنها ترفض بشدة.. وتبدأ معركة تفكير عند شكري كيف يستخدم الزجاجة الثالثة لعلاج الحاجة كريستين..

وبعد الكثير من الضغط، تروي الحاجة كريستين له حكايتها.. لنكتشف أن لها قصة عميقة.. ولها تاريخها الخاص مع الأمنيات هي أيضاً.. تاريخ فيه صراع بين قرى الصعيد.. وقتل وانتقام.. وحتى “تنانين”!.. هذا التاريخ يجعلها ترفض هذه الأمنية من عم شكري..

وفي النهاية، يهب “شكري” الأمنية لأحد آخر في الحارة.. يعرفه منذ زمن..

وهي نهاية مفاجئة وظريفة في نفس الوقت.

* * *

“شبيك لبيك” هي مثال قوي، ورائع.. للروايات المصورة للكبار..

وأصبحت أنصح بها كمادة قرائية.. لكل أصدقائي من عشاق الأدب.. ليتعرفوا على هذا الفن الجميل.. الذي لا يزال في بداياته في عالمنا العربي..

وفي زياراتك المقبلة لمكتبة جرير.. يمكنك أنت أيضاً أن تجرّب أن تخوض أيضاً هذه التجربة القرائية الجديدة..

وأعتقد أنها ستكون تجربة جميلة.. ومختلفة..

(ولكن عليك أن تسأل عنها الموظف في قسم الكتب العربية، لأن كل فرع من جرير يضعها في مكان مختلف، مرة مع قصص الأطفال، ومرة مع روايات الكبار، لأنه ليس لديهم حتى الآن تصنيف خاص بالروايات المصورة للكبار!).

وننهي هنا.. باللوحة الأخيرة (الرايقة) التي انتهت بها هذه الثلاثية الجميلة:

 
تعليق واحد

نشر بواسطة: في 27 أوت 2024 بوصة مقالات

 

الرواية المصوّرة: الجنيّة لغازي القصيبي.. تصوّر بصري ممتع لعوالم الجنّ


كنت متحفّزاً في الحقيقة للنسخة المصوّرة من هذه الرواية.. فرواية الجنّية لمن يعرفها هي رواية مختلفة.. تدور بين عالمي الإنس والجن.. والكتابة عن عالم الجن ووصفه بصرياً تحدّ بذاته.. ولكن تخيّلُ هذا العالم وشخصياته بصرياً وتجسيده في رسومات تحدّ أكبر وأصعب..

كيف يا ترى ستقوم الرواية المصوّرة بهذه المهمة؟ هل سنرى سرداً قصصياً وعوالم مرسومة تليق بمستوى الرواية الأصلية لغازي القصيبي؟ وكيف سيتم رسم الكائنات التخيلية، وشخصيات الجنّ؟ أم أنني سأندم أنني أطلعت على هذه الرسومات وتشوهت عندي الصورة الذهنية التخيلية للرواية الأصلية (كما حصل مع المجموعة القصصية المصورة لعدي الحربش)؟

*   *   *

شدّني الرسم منذ البداية، جميل ومتناسق، ومن الواضح أن الرسّام يتقن صنعة القصة المصوّرة إلى حد كبير، من حيث التنقلات، رسم الشخصيات، تعابير الأوجه، كما أن الصفحة بها عدد كوادر (مربعات رسم) جيّد، ولا يلجأ للفرد الشديد (كما في رسم المجموعة القصصية لعدي الحربش)، تقنيات الرسم الجميلة هنا كانت مشابهة لتقنيات رسم رواية الوسمية، وانتبهت بعدها أن الرسام هو نفسه في الروايتين.

كما أن التصوير البصري للجنّ والعفاريت أعطى الرواية المصوّرة ميزة خاصة بها، كان من الجميل أن نرى تصوراً بصرياً لأنواع من “الجنّ” كانوا يخوفوننا بها ونحن صغاراً، مثل أم السعف والليف في الأحساء، وجني النخل دعيدع الظريف، والسعلوّة في المنطقة الوسطى، وقعود حايل، والثعبان أبو قرون في المدينة المنورة.

*   *   *

السرد القصصي للرواية المصوّرة تفوّق في جوانب، وأخفق في جوانب أخرى، ومع أنني في العموم استمتعت بقراءة هذه الرواية المصوّرة، ولكن الإخفاقات في السرد كانت مزعجة. والمقصود بالسرد هنا كتابة “سيناريو” القصة المصورة.

أول نقطة مزعجة كانت العشوائية في الاختصار، في المواضع التي كان فيها سرد روائي تم تقطيعه بشكل غير مدروس، لنرى أجزاء كاملة منه في الرواية المصورة، وتختفي أجزاء بالكامل، ففي الفصل الثامن مثلا تسرد الرواية المصورة كل شيء كما هو حتى تملأ صفحتين، ثم تقطع النص وتنتقل للفصل التالي، وكأن المطلوب هنا ملأ عدد من الصفحات بغض النظر عن ما تقوله الرواية الأصلية، وتكرر هذا الاجتزاء المفاجئ في عدة فصول، والتصرف الأفضل هنا كان الاختصار من عموم الفصل، كما فعلت الرواية المصورة في الفصل التاسع مثلاً، والفصل السادس عشر.

وعلى طاري الاجتزاء، حدث العكس عندما يكون في الرواية الأصلية حوارات، حيث تأتي بها الرواية المصورة كاملة من دون أي اجتزاء أو اختصار، تأتي بها كما هي.

وهذه التفرقة بين تناول النص السردي وتناول الحوارات سبّبت خللاً في وزنية الرواية المصورة مقارنة بالرواية الأصلية، حيث أن مناطق السرد في الرواية الأصلية تم اختصار مساحتها إلى النصف في المساحة التي احتلتها في القصة المصورة، في حين احتلت مساحة الحوارات مساحة تصل إلى مرة ونصف في الرواية المصورة، وينتج عن ذلك أن من يقرا الرواية المصورة سيرى أن الحوارات هي التي تهيمن على الرواية، بشكل أكبر بكثير من وجودها في الرواية الأصلية لغازي القصيبي.

وبالحديث عن الفصول، فإن التجزئة لفصول اختفى في الرواية المصورة، ومع أن هذه التجزئة لم تؤثر كثيراً على مسار الرواية المصورة (كما هو الحال في الرواية المصورة الوسمية والتي أضر عدم التقسيم بها)، إلا أن التجزئة هنا لها دور نفسي في تقبل القارئ للعمل، حيث أن التجزئة لفصول أمر مفضل في الروايات المصورة الطويلة.

*   *   *

بعد كل هذه الملحوظات على سرد الرواية المصوّرة (السيناريو)، لا بد من ذكر نقاط قوته، وهي تركزت في نقطتين أساسيتين، الأولى محافظته على الخط العام القصصي للرواية الأصلية، وعدم خروجه عنه، أو إخلاله به خللاً يضر بالسياق القصصي الأصلي، والثانية: أن سيناريو القصة المصورة حافظ على النصوص الأصلية التي كتبها الراحل غازي القصيبي، حيث أن الاختصار في أغلبه تمّ بانتقاء نصوص من الرواية الأصلية، وهذه نقطة مهمة في الحفاظ على روح الرواية الأصلية في هذه الرواية المصوّرة.

*   *   *

من الملاحظات الجانبية على العمل عدم استغلاله لإمكانيات القصص المصورة في عدة أماكن، فالقيمة الأساسية للقصة المصورة هو (الرسم والتصوير البصري)، وفي الرواية الأصلية التي كتبها الراحل غازي القصيبي وصفٌ بصري للعديد من الشخصيات والأماكن.. وحينما تناولتها الرواية المصورة أتت بالنص الأصلي الوصفي كاملاً، بدون الاهتمام بالرسم بناء على هذا الوصف، وكان من الأفضل والأكثر احترافية وجمالية لو تم اختصار النص هنا، وتجسيد كل الوصف البصري الذي كتبه الكانب في تفاصيل الرسم، من ذلك مثلاً توصيف شخصيات الجن الثلاث الذين قابلهم البطل في الفندق، والذين تم رسمهم بشكل بسيط، وتم إيراد وصفهم البصري المكتوب كاملاً.

*   *   *

نقطة أخيرة مهمّة، تكررت في هذه الرواية وفي جميع إصدارات مشروع الروايات المصوّرة، وهو عدم تحديد العمر على الغلاف، هذه الرواية المصوّرة بكل تأكيد ليست للصغار، وبها العديد من المواضع والمشاهد التي لا يمكن أن تكون بين أيدي الأطفال على الإطلاق، كمشاهد وحديث الجنّ، والعلاقات بين الجنسين، ومغامرات البطل النسائية، والكلام الكثير في الرواية عن العلاقات الجنسية بين الإنس والجنّ بتفاصيل فقهية وقصص مرويّة، وسبق التنويه على أهمية ذلك، خصوصاً وأن مجتمعنا لم يألف القصص المصورة للكبار، بالتالي من الوارد أن يتعلق أحد الصغار بهذه الرواية لأنها مصورة، ويقتنيها أبوها له، وهو يعتقد أنها كتاب للأطفال.

للتوضيح، هناك فارق بين الرواية الأصلية والرواية المصوّرة في موضوع أهمية تحديد العمر على الغلاف، فالرواية الأصلية من الواضح للجميع أنها ليست للصغار، أما الرواية المصوّرة فهي تتقاطع مع مطبوعات الصغار لأنها قصة مصوّرة طويلة، والكثيرون من الصغار والكبار لا ينتبهون، أو لا يعرفون، ان هذه القصص المصوّرة للكبار وليست للصغار.

*   *   *

استمتعت كثيراً بقراءة الرواية المصورة الجنية، والتي أضافت أبعاداً تصويرية رائعة للرواية الأصلية للراحل غازي القصيبي.. وأرى هذا العمل خصوصاً خطوة مهمة في مشروع تحويل الروايات السعودية لروايات مصورة، أولاً لأن الرواية الأصلية عملٌ أدبي مهم كتبه أحد أهم الأدباء في التاريخ السعودي المعاصر، وثانياً لأن الرواية ليست رواية درامية عادية، بل بها الكثير من الخيال غير المعتاد، أي أن إنجاز عمل مهم وصعب مثل هذا سيجعل من تحويل أغلب الروايات السعودية لأعمال مصورة أمراً سهلاً وممكناً.

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 12 جوان 2024 بوصة Uncategorized

 

الرواية المصورة الصبيّ الذي رأى النوم: ما هكذا تورد الإبل!


حاولت أن أصيغ العنوان بشكل أكثر إيجابية.. ولكن لم أستطع.. لأن هذه “الرواية المصوّرة” فعلاً محبطة.. وكل ما أعود لأقرأ شيئاً منها أخرج بنفس الانطباع!

*   *   *

عليّ أولاً أن أوضّح شيئاً مهما هنا: “الصبي الذي رأى النوم” ليست رواية، بل مجموعة قصصية.. وهذه النقطة مهمة في استعراض هذه الرواية المصوّرة، أو بالأصح: المجموعة القصصية المصورة، وتحليها..

وملحوظة أولى مهمة.. في المجموعة القصصية المصوّرة لم يتم نشر جميع القصص الموجودة في العمل الأصلي للكاتب عدي الحربش.. وبالتالي كان لا بد من التنويه على الغلاف أن هذا العمل المصوّر هو (مختارات من المجموعة القصصية: الصبي الذي رأى النوم، للكاتب عدي الحربش).. للمصداقية الأدبية.

*   *   *

في اللحظة الأولى التي وقعت عيني فيها على الغلاف انتبهت لمشكلة فنية تضرب مصداقية الرسام، فإحدى الشخصيات الخاصة بهذه المجموعة القصصية، وهي شخصية ابن سينا، “تم أخذها” من شخصية سندباد الشهيرة، من شخصيات ديزني. هذا التصرف يكفي لوحده للتشكيك في مدى أصالة رسومات هذه المجموعة القصصية.

*   *   *

سآخذكم في رحلة في بعض النواحي الفنية والأدبية بمراجعة أربع قصص مصورة مختارة من هذه المجموعة.. والتي من خلالها سنصل في النهاية إلى الأسباب التي جعلتني أكوّن انطباعاً سلبياً حادّاً تجاه هذه المجموعة القصصية المصورة.

*   *   *

قصة: حكاية الصبي الذي رأى النوم

تدور القصة الأصلية عن طفل تموت أمه المريضة عند ابن سينا، وهذا الطفل لا ينام لأنه يريد أن يرى النوم، ويحتال عليه ابن سينا حتى يحقق له ما يريد.

أول ما نلاحظه على القصة المصورة هو توتّر جودة رسوماتها، فنرى أحياناً رسومات جيدة، ثم يتغير مستوى الرسم تماماً إلى مستوى سيء وضعيف، كما أن رسوماتها لا تصلح لفنّ القصص المصورة، لا من حيث تعابير أوجه الشخصيات، ولا لقطات الكاميرا، وهناك مشاهد غير مفهومة في القصة المرسومة، واستخدم الرسام أحياناً النسخ واللصق لنفس الرسمات وهذا ضعف في التنفيذ.

*   *   *

في رواية القصة، القصة مختصرة بشكل أضاع جمالية القصة الأصلية، كما أن القصة اعتمدت على رواية الأحداث وابتعدت عن جماليات الكتابة الأصلية للقصة، وهذا أضعفها كثيراً. ومن التحويرات التي أساءت للقصة إضافة كتابات شارحة أضاعت إثارة القصة الأصلية، ففي القصة الأصلية مثلاً يروي لنا الكاتب أن النوم فعلاً أتى للولد بطل القصة، وأنه أخذه في رحلة، تمكن فيها من تنويم من يمر بهم، حتى نكتشف في النهاية أنه ابن سينا، ولكن القصة المصورة أحرقت هذه الإثارة مسبقاً بأن قالت أن هذه الشخصية هي ابن سينا متنكراً.

*   *   *

على سبيل المثال: هاتان الصفحتان تجسدان عدداً من الإشكالات الفنية والتحريرية المذكورة، الشخصية التي ترتدي الأزرق أعلى الصفحة الأولى تم نسخها ولصقها في الصفحة التي تليها، وتصرفات الشخصيات الأخرى التي يمرون عليها غير مفهومة، كما لا يمكن فهم الكادر الأخير في الصفحة الأولى والكادر الأول في الصفحة الثانية، ونرى في الصفحة الثانية حرق الإثارة بالإفصاح عن أن شخصية النوم هو ابن سينا نفسه، وفي الكادر الأخير نرى رسم ابن سينا الذي تم أخذه من رسومات شخصية سندباد من ديزني.

*   *   *

قصة: كرة البولينغ

تدور القصة الأصلية حول منافسة بين شابين في البولبنغ، وشعور كرة البولينغ التي تحاول جهدها ألا تضرب إحدى القوارير المصابة من قبل.

أما القصة المصورة، فقد تم تنفيذها باختصار شديد، وتمت صياغة الاختصار على أحداث القصة فقط، بالتالي لا نرى فيها إبداع الكاتب الأصلي (عدي الحربش)، ويبدو أنه تبعاً للاختصار الذي أضرّ بالقصة تمت إضافة عبارات شارحة مما أضاع جماليات القصة أكثر!

مما يؤخذ على هذه القصة أن القصة الأصلية بدأت بوصف بصري للشخصيات يدل على محليتها: تشخيصة بنت البكار، ربط الثوب، سروال السنّة، الزبيرية، ولكن في القصة المصورة نرى رسماً لرجلين لا يعكسان هذه الصورة البصرية إطلاقاً، بل توحي لك أشكالهما أنها شخصيات غربية.

الوصف البصري للشخصيتين في القصة الأصلية لعدي الحربش، وكيف تم رسمهما في القصة المصورة، نراهما هنا:

الرسم مستواه أسوأ من القصة السابقة، ويقع هنا في مشكلة أخرى وهي الفرد الشديد للوحات، حيث نرى صفحات بها كادرين (رسمتين) فقط أحياناً، وأحياناً لوحة واحدة، والفرد الشديد للوحات مقبول أحياناً في القصص المصورة حسب تداعيات الأحداث وفي حالات استثنائية، ولكن لا يكون طاغياً كما هو الحال في هذه القصة، (نصنفها في إنتاج القصص على أنها محاولة من الرسام، أو المنتج، لتقليل الجهد والتكاليف 😊 ).

نرى هنا الصفحتان الثالثة والخامسة من القصة، وبجانبهما على اليسار صفحة من رواية الوسمية المصورة، ليمكن مقارنة حجم أعمال الرسم بينهما:

*   *   *

قصة: لماذا يكثر أهل الرسّ من أكل الحبحر

هذه القصة من أروع قصص المجموعة التي كتبها عدي الحربش، والتي تروي صمود أهل الرس أمام العثمانيين أيام الدولة السعودية الأولى، والبطولات الفردية لمن هم هناك سواء كانوا من أهل الرس أو ممن كانوا فيها وقتها، وتمنيت شخصياً أن أراها بشكل أفضل في المجموعة القصصية المصورة، ومع أن فيها جهداً أفضل من غيرها، إلا أنها أحبطتني أيضاً.

القصة المصورة مختصرة بشكل غير موفّق، منها الاختصار الشديد المخلّ، ومنها إبراز بعض الأحداث الجانبية كأحداث رئيسية، وإهمال بعض الأحداث الرئيسية الأصلية، مما أضرّ بالقصة ومسارها، كما أضرّ ببناء الشخصيات، وحينما تقرأ القصة المصورّة ثم تقرأ القصة الأصلية ستتعرف على نفس الشخصيات بشكل مختلف.

نرى هنا ثلاث صفحات من القصة المصورة، بها ثمانية كوادر فقط، هذه الصفحات الثلاث هي اختصار لحوالي 11 صفحة سردية مليئة بالأحداث ممتدة على فصلين من القصة الأصلية:

يُضاف إلى ذلك أن هذه القصة أطول من غيرها، وهي مبنية في أصلها على ستة فصول، بينها فواصل زمنية ومكانية، ولكن لم يتم اعتبار الفصول في القصة المصورة، بل تم سردها كقصة واحدة، مما يحدث إرباكاً للقارئ.

رسم القصة بنفس مستوى الضعف الفني العام للمجموعة القصصية المصورة، وعدم إتقان لأساسيات رسم القصص المصورة من حيث رسم الشخصيات وتعابير الأوجه وزوايا التقاط الكوادر.

*   *   *

قصة: عندما أفاقت الجميلة النائمة

تحكي القصة الأصلية حكاية من زاوية مختلفة للقصة الكلاسيكية “الجميلة النائمة”، ثم تدخل البطلة في حوار فلسفي عميق مع المفكر ديكارت.

تعاني هذه القصة مثل غيرها من الاختصار الشديد غير الموفق، والرسومات الضعيفة، والفرد الشديد للرسومات.

ولكن أوردت هذه القصة ضمن الأمثلة هنا لأن فيها تجاوزاً أدبياً من نوع مختلف، حيث قام الكاتب بوضع نهاية أخرى من عنده للقصة!

في القصة الأصلية، يغضب ديكارت في آخر حواره مع الجميلة النائمة لانتصارها الفلسفي عليه، ويخرج من غرفتها، أما في القصة المصورة فإن ديكارت يقوم بخنق الجميلة النائمة في دلالة على أنه قتلها، ولا أعتقد أن هذا التجاوز من كاتب القصة المصورة مسموح أبداً لأن هذا العمل المصوّر هو تجسيد لعمل أدبي أصيل منسوب لكاتب من كبار الكُتاب. (قد يُغفر له ذلك لو كان مقتنعاً بتغييره للقصة، وكتب تنويهاً بذلك).

هذا مشهد ديكارت وهو يخنق الأميرة، ومعه النص الأصلي للقصة، -ونشاهد فيه أيضاً كيف أن الرسم أخذ صفحة كاملة، ليجسد أيضاً مشكلة الفرد المبالغ فيه للرسومات-.

*   *   *

أعتقد بعد استعراض وضع القصص الأربعة السابقة كنموذج، أصبح من الواضح لماذا هذه “الرواية-المجموعة القصصية” المصورة أحبطتني للغاية، وجميع قصص المجموعة المصورة وبلا استثناء كانت بنفس المستوى الذي استعرضناه في هذه القصص الأربعة.

مجموعة عدي الحربش رائعة، من الوزن الثقيل، وتمنيت بالفعل أن تكون هناك عناية تليق بها عند تحويلها لقصص مصورة، خصوصاً وأن تحويل القصص القصيرة أصعب من تحويل الروايات الطويلة، وتحتاج إلى إبداع خاص وتركيز عالٍ، ولكن للأسف هذه المجموعة القصصية المصورة لم تنجح في ذلك، وتضرّ العمل الأصلي أكثر مما تخدمه.

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 11 جوان 2024 بوصة قضايا إعلامية

 

الرواية المصوّرة الوسمية: تجسيد بصري رائع للرواية الأصلية.. مع أخطاء فنية وإنتاجية


أول كتاب قرأته من مجموعة الروايات السعودية المصورة كانت رواية الوسمية، قد يكون اختياراً عشوائياً، أو قد يكون بسبب لوحة الغلاف التي تعتبر الأبرز والأقوى بين هذه المجموعة من الروايات المصورة.

قوّة الغلاف أتت بشكل رئيس من صورة الوجه الكبيرة التي تصدرته، واحتلت جزءاً كبيراً منه، وللإحاطة فإن صورة الوجه الكبيرة على الغلاف هو تكنيك مهم في جعل أي غلاف قوي وشديد الجاذبية، وطالما استخدمنا هذا التكنيك في المجلات سابقاً.

عموماً.. عودة للرواية المصورة..

*   *   *

رواية الوسمية لمن يعرفها، هي عبارة عن مجموعة من المشاهد المختلفة لقرية من قرى الجنوب في المملكة، 13 مشهداً متتالياً، تنفصل عن بعضها بروايات مختلفة وشخصيات مختلفة، وتترابط أحياناً بترابط بعض الأحداث وظهور بعض الشخصيات، وهي من الروايات التي لا أبطال أساسيين لها، بل الكل أبطال.

أوّل ما لاحظته حينما بدأت أقرأ الرواية المصورة عكسها لبيئة الجنوب بصرياً بشكل جميل، المرتفعات، البيوت، والملابس الشعبية، مثل لبس (المقلّمة) على رأس العروس، ومن الواضح أن من أعدّ الرواية المصوّرة قد قام بعمل بحث جيد عن تفاصيل البيئة البصرية للجنوب، حيث أن الرواية الأصلية لا تحكي ذلك في تفاصيلها.

تأملوا هذه اللوحات مثلاً من مشهد العرس في الرواية.

الرسم في رأيي جميل للغاية، الرسوم مستواها راقٍ، ومناسب لهذا النوع من الروايات المصوّرة، زوايا التصوير، والتقاط مشاعر الشخصيات كانا رائعين.

ولكن.. وعودة هنا إلى الرواية الأصلية ذات الثلاثة عشر مشهداً.. وقعت الرواية المصوّرة في خطأ تنفيذي مؤثر، وهو أنها سردت المشاهد الثلاثة عشر وكأنها مشهد واحد طويل، رواية متصلة.. فدخلت المشاهد على بعضها البعض، وأصبح بالتالي من يقرأ الرواية المصوّرة لا يفهم العديد من الأحداث والمشاهد، مما جعل القصة المصوّرة تبدو غريبة، لأن الأحداث تتغير فجأة في وسط القصة (مع تغير المشهد أو الفصل).

ومع ذلك، قامت الرواية المصوّرة بالالتزام بالخط العام للرواية الأصلية، ولم تبتعد عنها، وهذا يحسب لها، ما عدا الاستعجال والاختصار الشديدين في بعض المواضع مما أسقط بعض التفاصيل المهمة أو الجميلة.

ويُحسب أيضاً للرواية المصوّرة استخدامها للنصوص الأصلية للكاتب عبدالعزيز مشري.. مما حافظ بشكل كبير على روح الرواية الأصلية.. ويمكن هنا مقارنة النص الأصلي من الرواية على اليمين، في الإطار الأحمر، بتجسيده المصور على اليسار:

*   *   *

ملحوظة هنا، الرواية فعلياً للكبار كما نعرف.. وبها العديد من الأحداث التي لا تصلح للصغار.. وبرزت هذه الأحداث أكثر حينما تم تحويل العمل إلى قصص مصوّرة، أحداث مثل مقتل فرحان في البئر، ودردشة الفتيان عن من أين يأتي الأطفال، وحكاية البنت التي كانت تنام مع رجل حتى حملت منه ثم انتحرت ونراه في المشهد التالي:

الإشكالية في الرواية المصوّرة أنها لم توضح على الغلاف أنها للكبار فقط.. ومن الوارد في مجتمعنا الذي تعارف أن القصص المصورة للصغار أن يتم الخلط عند بعض الصغار أو الأهالي أن هذا العمل للصغار، وبالتالي يقتنوه لأولادهم.

توضيح الفئة العمرية على الأغلفة لروايات الكبار أمر متعارف عليه عالمياً، وأعتقد أنه لا بد لهذه الرواية -وكل إصدارات الروايات السعودية المصوّرة- أن توضّح ذلك أيضاً.

*   *   *

تبقت نقطة أخيرة.. قد يكون من الأفضل لو وضعت الرواية في البداية تعريفاً بالشخصيات، حيث أن شخصيات الرواية كثيرة ومتعددة، وظهور بعضها قليل، أو نادر، ولا نسمع أسماءهم في الرواية أو الحوارات دائماً، لذلك لو تم وضع صورهم في البداية في صفحة تعريف، مع أسمائهم، لكانت الرواية أكثر قبولاً وفهماً من القارئ.

التعريف بالشخصيات في بدايات الروايات والقصص المصورة أمر معروف في هذه الصنعة، خصوصاً عند تعدد الشخصيات وتنوعها وكثرتها وطول القصة، ولا يلزم هنا وضع شروحات للشخصيات، بل يمكن الاكتفاء بالصور والأسماء.

*   *   *

في العموم.. استمتعت بهذه الرواية المصوّرة كثيراً..

نقلتني بالفعل إلى أجواء الجنوب..

بروعة الرواي الراحل عبدالعزيز مشرّي..

وروعة الرسم الذي نقل تفاصيل المكان..

وأهل المكان..

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 10 جوان 2024 بوصة Uncategorized

 

مقدمة – سلسلة مقالات نقدية للروايات السعودية التي تم إنتاجها كقصص مصورة (كوميكس)


مقدمة

شدني للغاية مشروع إنتاج روايات سعودية كقصص مصورة (كوميكس) بدعم من هيئة الأدب والنشر والترجمة، لأنه قد يكون المحاولة الأبرز على الإطلاق في إنتاج قصص مصورة للكبار، وليس للصغار. وهذه سابقة مهمة، ستفتح باباً لتقبل مجتمعاتنا لهذا الفن كفن أصيل وجميل للكبار.

كلنا نعرف فنّ القصص المصورة، نعرفه من القصص الموجودة في مجلات الأطفال بشكل رئيسي، ثم عرفناه كفنّ للشباب والفتيات عبر انتشار محبي فن (المانجا) الياباني، والذي يعدّ أحد الأشكال الفنية للقصص المصورة، ثم صدور العديد من المنتجات المحلية بنفس النمط من كتب وقصص، وأبرزها بالطبع مجلة (مانجا العربية) بنسختيها للصغار والشباب.

ولكن.. فنّ القصص المصورة للكبار.. أمر جديد تماماً عندنا.. وصدور هذه الروايات السعودية الأصيلة بهذا الشكل الفني ومن هيئة حكومية بوزن هيئة الأدب والنشر والترجمة سيكون بالتأكيد البداية لسوق جديد لم نعرفه من قبل..

*   *   *

في المرحلة الأولى من المشروع، تم إصدار خمسة روايات سعودية بنمط القصص المصورة، وهي:

الجنية لغازي القصيبي، الوسمية لعبدالعزيز مشري، البحريات لأميمة الخميس، حكاية الصبي الذي رأى النوم لعدي الحربش، غواصوا الأحقاف لأمل الفاران.

حصلت عليها كلها من مكتبة جرير، ما عدا الأخيرة (غواصوا الأحقاف) التي لم أتمكن من العثور عليها في السوق.

وبحكم اختلاف تفاصيل إنتاج كل رواية عن الأخرى، وجدت أنه من الأفضل تخصيص كل رواية برؤية نقدية مختصرة خاصة بها.

والهدف الأساسي من هذه المقالات النقدية محاولة إبراز نقاط القوة والجودة في هذا المشروع، وتحديد أي نقاط ضعف.. (والتي أحياناً قد تدمّر مشروعاً رائعاً، مع أنه يسهل تجنبها أو تجاوزها).. ليساهم بشكل أو بآخر في تجويد أي أعمال أخرى مستقبلية في مجال الأعمال المصورة للكبار، سواء صدرت من الهيئة أو من أي قطاع عام أو خاص.

*   *   *

نقطة مهمة: سأتطرق فقط في هذه المقالات النقدية إلى ثلاث روايات من الروايات الخمسة، وهي التي تمكنت من الحصول على نسختها المصورة، وقارنتها بالرواية الأصلية، أما رواية (البحريات) لأميمة الخميس فقد عجزت عن الحصول على الرواية الأصلية، أما (غواصوا الأحقاف) لأمل الفاران فلم أتمكن من الحصول على الرواية المصورة.

*   *   *

وأودّ التنويه هنا إلى أن دراسة هذه المنتجات يخصّ فقط ما تم في تحويل الرواية الأصلية إلى قصة مصورة، ولكن لن تتطرق المقالات إلى النقد الأدبي للروايات الأصلية، ولا لمسارها القصصي، أي أنني حينما أتكلم عن رواية الجنية للأديب الكبير غازي القصيبي رحمه الله بشكلها المصوّر، فإنني لا أنقد الرواية الأصلية، ولا كاتبها (ولست أهلاً لذلك)، بل أركز على شكلها في القصة المصورة: كيف تم تحويلها، نمط السيناريو، أسلوب الرسم، كيفية توزيع القصة المصورة، جودة الأبعاد الفنية والأدبية في هذا الشكل الجديد للرواية، وما إلى ذلك.

*   *   *

موعدنا الغد بعون الله.. ومع أول مقال نقدي من هذه السلسلة.. والذي سيكون عن النسخة المصورة من رائعة عبدالعزيز مشري: الوسمية.

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 9 جوان 2024 بوصة قضايا إعلامية, مقالات

 

ريكارد.. وسبعة أعضاء..


حينما تعاني من مرض لسنوات.. ثم تتلف أعضاؤك، عضواً تلو عضو.. حتى يخبرك الأطباء في أسى أنه قد بقي في عمرك شهر على الأكثر..

وفجأة، تجد متبرعاً، يماثلك في العمر، وفصيلة الدم.. ويهبك سبعة من أعضائه..

حينها.. ستدرك معنى اللطف الإلهي..

وسيضاف ما حصل لك إلى سجل المعجزات..

اسمه ريكارد..

حينما قدم إلى هذه الحياة، قبل أقل من أربعين عاماً بسنوات.. تم تشخيصه بمرض نادر.. يمنع أمعاءه من امتصاص الطعام بشكل جيد..

كان صغيراً.. في سنته الأولى.. ولم يكن بإمكان جسمه الحصول على ما يحتاجه من الغذاء..

وبدأ يعيش على المغذيات الطبية..

الصغير ريكارد كان دائماً منهكاً.. متعباً.. آلام أمعائه تصاحبه أغلب الوقت.. وانتفاخات معدته..

بالرغم من ذلك، حاول أهل ريكارد أن يجعلاه يعيش حياة طبيعية بقدر الإمكان..

كان يذهب إلى المدرسة بالدراجة كل يوم.. وبدأ يلعب كرة القدم.. ويسافرون سوية ويقضون الإجازات في نزهات كأي عائلة طبيعية..

ولم تكن هذه المحاولات تنجح دائماً..

أحياناً كان تعبه يزداد.. فيدخل المستشفى لأشهر.. منقطعاً عن دراسته..

كان ابن الجيران معه في نفس الصف.. حينما ينقطع ريكارد عن المدرسة كان ابن الجيران يزوره ويتابع معه دراسته، يشرح له كل شيء.. كان ابن الجيران بمثابة معلم منزلي لريكارد..

مضت السنون.. كبر ريكادر.. أنهى دراسته.. ودخل مجال الإعلام.. وأصبح مصوراً.. يعيش بين الكاميرات والفلاشات ومعدات التصوير..

وهو مستمر في محاولات التعايش مع وضعه..

فالمرض مستمر.. وتبعاته مستمرة..

مرضه وضعف الامتصاص، كان له أثر سلبي على أعضاء جسمه.. خصوصاً الكبد والكلى..

قبل أربع سنوات..

ساءت حالته كثيراً..

الكلى فشلت تماماً.. كبده متعب.. أمعاؤه ومعدته وعدة أعضاء في جسمه أصبحت عالة عليه..

أصبح يغسل كلاه.. ودخل العناية المركز عدة مرات.. مرة تلو مرة..

لم يعد بإمكانه تناول أي شيء.. وانخفض وزنه بشدة..

جسمه الذي يزيد طوله عن 180 سنتمتراً.. أصبح وزنه حوالي 40 كيلوغراماً فقط..

كان يجلس في منزله وهو يشعر بالعطش الشديد.. وكان من الصعب عليه جداً أن ينهض من مكانه ليذهب للمطبخ ليشرب، ولكن المعضلة الأكبر أنه سيعاني كثيراً إن شرب..

شعر ريكارد باليأس.. وقلة الحيلة..

أخبره الأطباء أن سبعة أعضاء في جسمه قد فشلت تماماً.. ومن شبه المستحيل أن يتم العثور على سبعة أعضاء من متبرعين، وتتوافق خصائصهم مع جسم ريكارد..

خصوصاً وأنه حسب تقديرات الأطباء، فإن ما تبقى من عمر ريكارد هو شهر واحد..

شهر واحد فقط..

ولكن يبدو أن ريكادر كان يمر فقط بمنعطف في حياته..

فما حصل بعد ذلك كان مذهلاً..

مذهلاً للغاية..

اليأس من العثور على سبعة أعضاء كان لأن العضو المتبرع به لا بد وأن يكون من جسد يقارب عمر ريكارد الذي كان في أواسط الثلاثين، في حين أن أغلب المتبرعين بالأعضاء هم كبار في السن..

والأعضاء هذه لا بد أن تكون من جسد متوفى لتوه، وليس من جسد حي.

وهي سبعة أعضاء.. ليست عضواً واحداً..

المفاجأة كانت: وفاة شخص في نفس عمر ريكارد.. شخص كان قد وقع على وثيقة التبرع بالأعضاء..

هذا الشخص كان يوافق ريكارد أيضاً في فصيلة الدم.. وفي البنية والحجم..

وكانت جميع الأعضاء السبعة التي يحتاجها ريكارد.. سليمة وبحالة جيدة..

كانت حالة استنفار في المستشفى.. الأطباء أنفسهم كانوا متفاجئين من هذه المصادفة النادرة.. ويريدون استغلالها لإنقاذ ريكارد..

وتم اصطحابه إلى غرفة العمليات..

دخل ريكارد غرفة العمليات بكل رضا..

كان يعلم أن العملية صعبة، ونادرة.. وقد ينتج عنها وفاته.. ولكن بسبب معاناته الشديدة.. وآلامه.. كل ذلك جعله يُقبل على العملية بنفس مرتاحة..

لم يكن لديه شيء ليخسره..

العملية لم تكن سهلة أبداً..

تم فيها زرع سبعة أعضاء لريكارد: كبد، وكلية، وبنكرياس، ومعدة، والاثنا عشر، الأمعاء الدقيقة، الأمعاء الغليظة.

في عملية استمرت لأربع وعشرين ساعة متواصلة.

حينما استيقظ ريكارد بعد العملية.. أول شيء انتبه إليه هو عدم شعوره بأي ألم في معدته.. اختفى ذلك الشعور الذي لازمه لأكثر من ثلاثين عاماً وعاش معه طيلة حياته..

حينها.. شعر بالتفاؤل.. والأمل..

وأول ما خطر على باله أنه أصبح بإمكانه الآن أن يرتدي قميصاً بدون أن يبدو شكله غريباً بسبب انتفاخ معدته..

وسارت الأمور بأفضل مما توقع..

أكد الأطباء نجاح العملية..

كانت هناك بعض التبعات الصحية التي استلزمت منه مراجعات أحياناً..

ولكن، في العموم.. تغيرت حياة ريكارد..

انتهت معاناته..

تماماً..

يقول الأطباء عنه.. أن أكبر معين لريكارد طيلة حياته أنه تمكن من حماية نفسه من الانزلاق نحو الاكتئاب..

من يكون مثله عادة يصاب بالاكتئاب.. حتى يسيطر الاكتئاب عليهم وعلى حياتهم..

ولكن ريكارد لم يكن كذلك.. قد يكون السبب هو رعاية أهله له.. والحب والثقة اللذان أحاطا به منذ صغره..

وهذا ما أعطاه القوة ليعيش كل هذه السنوات بشكل طبيعي بالرغم من صعوبة حالته..

اليوم.. وبعد مضي أربع سنوات على تلك العملية النادرة..

يعيش ريكارد بشكل طبيعي تقريباً..

لم يتبق له من الماضي إلا ندبات العملية في بطنه.. وأدوية عليه أن يأخذها باستمرار..

كما أن عليه أن يذكّر نفسه أن يأكل.. لأن الأعصاب التي تجعله يشعر بالجوع ذهبت في تلك العملية..

يقول ريكارد: أنا الآن أشعر أنني أعيش حلمي.. تمنيت طيلة حياتي أن أعيش بشكل طبيعي.. أن أخرج مع أهلي وأصدقائي.. أن أجلس على الأريكة وأشاهد نيتفلكس بكل راحة..

فعلا.. جمال الحياة في التفاصيل الصغيرة التي نغفل عن روعتها..

(مصدر الصور Dagens Nyheter)..

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 22 نوفمبر 2021 بوصة Uncategorized

 

ألعاب إلكترونية.. بتقنيات محسوسة!


من الإشكاليات التربوية الجديدة التي ظهرت مع انتشار الأجهزة هو ابتعاد الأطفال عن العالم المحسوس، لعب الطفل بالألعاب، بالدمى، بالمكعبات، بالمسدسات، إبداعه بالورق، والصمغ، والمقص، والأقلام، والألوان، كل ذلك يساهم في بناء تركيبته النفسية والفكرية، الأجهزة تأخذه من ذلك كله! والمشكلة الأكبر أن بعض الأهالي سعداء بذلك، يقولون: لم يعد أطفالنا بحاجة إلى كثير من الألعاب التي كانت تنشر الفوضى في المنزل! ولا يعلمون أن هذه الفوضى هي أمر يحتاجه أطفالهم!

قضية ابتعاد الطفل عن التفاعل مع العالم الحسي أمر جديد تماماً، ولم يكن متوقعاً، وبالتالي يخشى الآباء والأمهات من مخاطر هذه العزلة الحسية على أطفالهم في المستقبل.

ولذلك، بدأت بعض الشركات بالعمل في خط جديد مبتكر، وهو ربط الألعاب الحسية بالأجهزة الذكية المحمولة، بحيث تتفاعل الألعاب المحسوسة بالبرمجيات الذكية الموجودة على هذه الأجهزة. خصوصاً وأن هناك توقع بموجة تقنية قادمة تعتمد على الدمج بين التقنية والأشياء المحسوسة، تمت تسميتها “إنترنت الأشياء” أو “Internet of Things”، كالدمج بين الثلاجة والإنترنت لكي ترسل لنا رسائل حينما تنقص مواد غذائية معينة كالحليب مثلا، أو أن يكون في ملابس الطفل ميزان حرارة إلكتروني يرسل لهاتفنا حرارة الطفل في كل لحظة. وهناك من يرى بأن علينا من الآن أن نجهز أطفالنا لهذه الموجة بأن نجعلها متاحة في عالمهم لتصبح من الأساسيات في تكوين طرق تفكيرهم وبنائهم النفسي.

شركة أوزمو من الشركات التي تبنت هذا المفهوم، وسعت إلى تحقيقه لتصبح من أشهر الشركات على مستوى العالم في هذا المجال.

 

ما هي أوزمو؟

أوزمو عبارة عن ملحق تتم إضافته للآيباد، بربطه بالكاميرا، ليمكنه من التفاعل مع الأشياء المحسوسة، بحيث يتعرف عليها، ويتفاعل مع الطفل أثناء لعبه بها، كأن يقوم البرنامج على الجهاز اللوحي باللعب مع الطفل في ألعاب تتطلب لاعبين، أو أن يقوم بإعطاء الطفل مهام وتحديات ويراقبه وهو يقوم بإنجازها.

وقامت الشركة بتقديم العديد من الألعاب الحسية التي يمكنها أن تتفاعل مع نظام أوزمو، تشمل هذه الألعاب الحروف، الأرقام، الرسم والتلوين، وأيضاً مبادئ البرمجة البسيطة! هناك الكثير من الأنشطة التي يمكن للطفل القيام بها مثل العد، والهجاء، والكتابة، والقراءة، وحل مسائل الرياضيات، وصناعة البيتزا، وغيرها من الأنشطة التعليمية.

 

من الأمثلة الجميلة: لعبة البيتزا

يقوم الطفل باقتناء أدوات لعبة البيتزا، ثم يضع الأيباد أمامه لتبدأ اللعبة التفاعلية مع أبطال اللعبة على الشاشة، تظهر له الشخصيات الواحدة تلو الأخرى لتقوم كل شخصية بطلب بيتزا بمواصفات معينة، كأن يظهر للطفل شخصية أسد كرتونية تطلب بيتزا بالببروني والخضار، يقوم الطفل أمام الآيباد بوضع البيتزا ثم يقوم باستخدام الأجسام والأدوات المحسوسة الموجودة في الصندوق بوضع الإضافات المطلوبة عليها، ثم تقديمها للشاشة، يقوم الجهاز بالتعرف على البيتزا بمكوناتها الحالية، فإن كانت صحيحة سيرى الطفل على الشاشة شخصية الأسد وهو يستلم بيتزا شبيهة بالتي صنعها وهو سعيد، وإن كانت غير صحيحة فسيزعل الأسد ويقول بأن هذا ليس طلبه، الجميل أيضاً فيما سيحدث بعد ذلك، حينما يستلم الأسد البيتزا سيظهر سعرها على الشاشة، ويقوم الأسد على الشاشة بتقديم ورقة نقدية ويطلب الباقي، تحتوي علبة البيتزا على مجموعة من النقود المحسوسة، على الطفل أن يحسب كم الباقي ويقدمه أمام الآيباد للأسد، ويقوم الجهاز بالتعرف على المقدار الموجود هل هو الباقي الصحيح أم لا، وبالتالي يستلم الأسد على الشاشة النقود ويذهب سعيداً، هكذا يتم تعليم الطفل الرياضيات بشكل مسلي وبدون أن يدرك أنه درس رياضيات! إنها طريقة ممتعة ومسلية للغاية.

 

وأيضاً.. اللعبة الفنية: الوحش

للعب هذه اللعبة يقوم الطفل باقتناء مجموعة الرسم الخاصة بشركة أوزمو، ويأتي فيها لوح رسم وألوان خاصة، يضع الطفل الآيباد أمامه ليظهر له وحش لطيف، ويطلب من الطفل رسم أشياء معينة، أو الرسم بحرية، المدهش في الموضوع أنه عندما ينتهي الطفل من رسم شيء ما، كشجرة مثلاً، تظهر رسمته على الشاشة مع هذا الوحش اللطيف ليتفاعل معها أو يلعب معها. وهكذا يعيش الطفل في بيئة جميلة محفزة على الإبداع!

 

إلى أين نتجه؟

هذا هو السؤال المهم الذي يدور في عقول الآباء والأمهات، والذي للأسف لا نجد الكثير من الوقت لنفكر فيه.

هل يمكن أن تنشأ أجيال جديدة ولم يلعبوا في طفولتهم المكعبات مثلاً؟ لم يقوموا بتكسير ألعابهم، أو فكها، في فضول منهم لمعرفة ما الذي تحويه؟ لم يجروا أي تجارب بسيطة بالماء والرمل والورق والأدوات البسيطة؟ جيل لا يعرف مثلاً ما هي العدسة المكبرة؟ الممحاة؟ لم يكن لديهم صناديق ألعاب ينثروها هنا وهناك، يختبروا صلابتها، تجرحهم ليعرفوا أنها حادة، تنزلق من على بعضها البعض ليعرف أنها ناعمة الملمس وزلقة، يحاول تجميعها في الصندوق ليكتشف أن عليه ترتيبها بطريقة معينة حتى يتسع لها المكان؟

هل يمكن أن يأتي جيل لا يعرف كيف يمسك قلماً بيده؟

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 24 سبتمبر 2018 بوصة Uncategorized

 

الضحية الأخيرة


مأساة فناء شعب

(قصة كتبتها قبل حوالي عشرين عاماً ووحدتها بالصدفة في كرتون قديم 🙂 )

 

أخذ يجري بأسرع ما يستطيع.. وهو يلهث ويلهث.. إنهم وراءه.. يريدون قتله.. وهو الأخير.. الأخير.. قتلوا أهله وعشيرته.. رآهم كلهم بعينه وقد أصبحوا جثثاً هامدة.. مذبحة رهيبة.. سرت في جسده قشعريرة لذكرى ذلك المنظر المريع وهو يسارع بالاختباء خلف أحد الجدران..

آه.. ها هو ذا أحدهم.. يحمل في يده ذلك السلاح الجلدي الرهيب.. إنه لا يزال يذكر ما يفعله ذلك السلاح.. أحس بغصة في حلقه.. تذكر عندما كان يمشي هو وحبيبته تحت ضوء القمر.. في تلك الليلة الشاعرية.. أخذ يتأملها ويتأمل عينيها الساحرتين.. حوار جميل دار بين عيونهما.. احتوى راحتها بين كفيه.. تمنى من كل قلبه ألا تنتهي تلك اللحظة السعيدة.. أغمض عينيه وانحنى ليطبع على وجنتها الرقيقة المتوردة قبلة أودعها كل مشاعره.. وفجأة.. سمع حشرجة مخيفة.. أحس بسائل لزج يلطخ وجهه.. فتح عينيه بسرعة وهاله ما رأى.. لقد أصيبت حبيبته بإحدى تلك القذائف.. تناثرت دماؤها في كل مكان.. لم يستطع تمييز شيء من ملامحها إلا عيناً مفتوحة ناتئة تعلن أن روح حبيبته قد انتقلت إلى بارئها.. صرخ باسم حبيبته صرخة رددتها الجدران القريبة.. انتبه إلى القاتل وهو يهم بإطلاق قذيفة أخرى نحوه.. سارع بالفرار وقلبه يتفطر حزناً عليها.. أقسم يومها أن ينتقم من أولئك القتلة شر انتقام..

دارت تلك الخواطر في ذهنه بسرعة.. مسح دمعة تجرأت على الخروج من عينه وهو لا يزال يراقب ذلك الوغد.. إنه بالتأكيد يبحث عنه.. عن الأخير.. إنه لا يزال يذكر عندما اقتحموا قريته.. حسبهم في البداية أناساً مسالمين ولم يعبأ بهم.. ولكنه صحا في ذل اليوم على صرخة رهيبة بجوار داره.. خرج ليستطلع الأمر.. وجد أخاه الأكبر وقد أصبح جثة هامدة.. لقد قتلوه.. وأعلنوا بذلك الحرب عليهم.. وكانت تلك بداية النهاية.. نهاية أهله وأهل قريته.. أصبح يخرج من بيته كل يوم ليجد جثة أو عدة جثث.. هذا عمه.. وذاك جاره.. وهؤلاء بنات جاره.. وتلك طفلة في عمر الزهور تناثرت أحشاؤها في كل مكان.. لعن في سره أولئك الغادرين الذين لا توجد في قلوبهم رحمة ولا شفقة.. وهو قد أصبح منذ مقتل حبيبته قبل يومين آخر من تبقى في تلك القرية.. وهم الآن يبحثون عنه.. عن الأخير.. وحامل السلاح الذي يراه الآن من مخبئه أحدهم.. كان أشد ما يحنقه عدم استطاعته الوفاء بوعده بالانتقام والذي ألقاه أمام جثة حبيبته.. حبيبته التي كانت تملك أرق قلب في الدنيا كلها..

رأى بعينيه عدوه يقترب من مكمنه.. لو التفت يميناً لرآه.. تسارعت دقات قلبه.. لا بد أن يغير مخبأه بسرعة.. تسلل بخفة.. أخذ يمشي على أطراف أصابعه محاذراً أن يصدر أي صوت ينبه عن مكانه.. وفجأة.. سمع تلك الصرخة.. صرخة الانتصار.. وقف شعره من الخوف.. لقد رآه.. لا.. ليس هو من أطلق الصرخة.. بل وغد آخر لم ينتبه إليه.. شد انتباهه ذلك السلاح العجيب الذي يحمله ذلك الوغد الآخر.. لم يضيع وقته بالتفكير.. سارع بالهروب.. رأى بطرف عينه حامل السلاح الجلدي يصوب نحوه سلاحه.. أخذ يجري بكل ما يستطيع.. قذيفة جلدية وقعت بالقرب منه.. كادت أذناه أن تنفجرا لهول صوتها.. حمد الله في سره أنها أخطأته.. جرى وجرى.. اشتد لهاثه.. توقف قليلاً ليسترد أنفاسه.. وإذا بقذيفة أخرى تحط بجانبه.. طار بفعل قوة القذيفة ثم وقع وتدحرج على الأرض.. سارع بالنهوض والهروب وهو يحس بسائل دافئ لزج يصبغ يده.. لم بسرعة ذينك الإصبعين المهمشين والدم ينساب منهما.. عض على شفتيه وهو يحس بأن نهايته قد اقتربت..

لمعت عيناه وهو يرى ذلك المخبأ الآخر.. أدرك أنه إذا استطاع الوصول إليه فسوف ينجو من هذين الوغدين.. أسرع وأسرع.. تعثر بحجر.. تقلب قليلاً ثم وقف وأخذ يكمل جريه.. اقترب المخبأ أكثر وأكثر.. ولكن.. لماذا توقفت القذائف؟.. أحس أن في الأمر خدعة.. لم يفكر كثيراً في ذلك.. واصل جريه إلى المخبأ.. خطوات وسيكون في أمان.. صوت صفير حاد يشق الهواء.. التفت.. رأى جسماً معدنياً غريباً يطير بسرعة شديدة متجهاً إليه.. بل إلى رأسه.. لم يسعفه الوقت لمعرفة ماهيته.. وكان آخر ما سمعه صوت تهشم عظام جمجمته.. وهو على الأرض مضرجاً بدمائه.. وهو يدرك أنه الأخير..

*   *   *   *   *   *

صرخ (زيد) صرخة انتصار.. والتفت إلى أخيه (عمرو) وقال في ظفر: ألم أقل لك أن الساكتون(1) أشد فعالية من الزبيرية(2)؟!..

تطلع (عمرو) مندهشاً إلى ما يحمله أخوه.. أدار نظره إلى حيث ذلك (الظاطور) (3) الواقع على الأرض.. إلى رأسه المنشطر.. جمجمته المحطمة.. مخه الذي تناثر حواليه.. وقعت من يده (الزبيرية) التي كان يهم بإطلاقها.. وهو يردد في نفسه: لقد أثبت (الساكتون) أنه الأشد فعالية..

وأنه الأقوى..

–  تمت  –

 

 

(1)  الساكتون: اسم يطلقه أهل نجد على بندقية الصيد الخفيفة.

(2)  الزبيرية: حذاء جلدي تشتهر به منطقة نجد.

(3)  الظاطور: اسم شعبي لــ (الوزغ).

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 23 جوان 2018 بوصة Uncategorized

 

هل تعرض ابنك لمحتوى إباحي على الإنترنت؟


 

إرشادات عملية للوالدين

(نشر هذا الموضوع في مجلة أهلأً وسهلاً في عددها الصادر في مايو 2017)

 

انتظر، لا تذهب بعيداً لأنك تعتقد أن ابنك أو ابنتك محميان تماماً من المحتوى الإباحي على الإنترنت، فأي مستخدم للإنترنت معرض لأن يشاهد محتوى إباحياً في أي لحظة.. بل قد يكون ابنك قد تعرض لذلك ولم يتكلم لأنه يشعر بالخجل والارتباك.

التسارع التقني الحاصل من حولنا أسرع بكثير من إدراكنا الشخصي.. التقنيات المدهشة تتوالى تباعاً.. والتفاصيل التقنية التي لا ندرك الكثير منها تتطور يوماً بعد يوم.. تبادل المعلومات الشخصية وانتشارها واستغلالها مثلاً أمر أصبح من الصعب إدراكه والإحاطة به.. الكثير من الشركات حول العالم تسعى بكل ما تستطيع لاستغلال المستخدمين والاستفادة منهم، والكثير من هذه الشركات يضرب بالأخلاقيات والمثل العليا عرض الحائط في سبيل النجاح التجاري..

ومما يزيد من حالة الإرباك هذه أن عقول أطفالنا الغضة أقدر منا على استيعابها وفهمها واستغلالها والعبث بها.. كم منا مثلا يلجأ لأبنائه لحل مشكلة في جواله؟ أو لتركيب برنامج؟ أو لعمل نسخة احتياطية؟..

هل يمكن بعد ذلك أن نقول بكل ثقة أن استخدام أبنائنا للتقنية هو تحت السيطرة؟..

ذكرت مرة أن من القصص التي مرت علي طفل في الخامسة من عمره كان يبدو عليه الانزعاج وهو يلعب على الحاسب الآلي، وحينما توجهت إليه أمه لترى سبب ضيقه وجدت أنه يفتح دوما موقع ألعاب، وبين فترة وأخرى يوجهه هذا الموقع إلى صفحة فاضحة ملأى بالصور ومقاطع الفيديو الجنسية التي لا يصدقها عقل!.. أبٌ ذكر لي أنه اكتشف أن ابنه في الصف الخامس الابتدائي قد تعلم من صديقه كلمة بلغة روسية حينما يكتبها في محرك بحث جوجل يستطيع الوصول إلى كم هائل من الصور الإباحية المخجلة!.. حينما اكتشف الموضوع كان ابنه يتصفح هذه الصور لأكثر من ثلاثة أشهر بدون أن ينتبه أباه وأمه لشيء من ذلك!..

نحن للأسف لا توجد لدينا دراسات وأرقام عن معدل تعرض أطفالنا للمحتوى الإباحي، وذلك لحساسية هذا الموضوع والتي تجعل من الأطفال والآباء والأمهات يؤثرون الصمت على البوم بما مروا به، ولكن المؤشرات العامة والقصص المتداولة تقول بأنه يحدث بشكل ملحوظ، كما يحدث مع جميع أطفال العالم، في كل مكان.

في أمريكا، المعدل العمري للطفل حينما يشاهد محتوى إباحياً لأول مرة في حياته هو 11 سنة. 42% من الأطفال يشاهدون محتوىً إباحياً قبل سن المراهقة، و 73% من الأطفال يشاهدون ذلك قبل أن يصبحوا راشدين، أي قبل سن 18 عاماً. هذه الإحصائيات مخيفة!

أبناؤنا جميعاً معرضون في أي لحظة لمشاهدة ما لا يمكن لنا أن نستوعبه من المحتوى الإباحي الخطير والمخجل.. هذه أصبحت حقيقية من حقائق عصر الإنترنت الذي نعيشه.

 

وماذا سيحدث لو شاهد ابني محتوىً إباحياً؟

المحتوى الإباحي قد يسبب أضراراً نفسية وأخلاقية خطيرة على الطفل، وقد تستمر معه هذه الأضرار طيلة حياته.. تكبر معه.. وقد يكون لها تأثير متعدي على الآخرين فيما بعد إن وجدت البيئة المناسبة لذلك.

ثقافة الطفل الجنسية تكون صفراً.. خالية تماما من أي أفكار أو تصورات.. حيث أنها تبدأ في النمو والتفتح مع مراهقته شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى سن النضوج..

ولكن الذي يحدث أن هذا الحيز يتم تغذيته فجأة بمواد صادمة، لم يحن الوقت المناسب لعقل الطفل لاستيعابها..

وقد يمر ذلك مرور الكرام.. ولكنه للأسف أحياناً قد يتطور إلى أمور لا تحمد عقباها..

ما الذي قد يحدث إذن؟ من أبرز الآثار البديهية أن ما يراه الطفل سيشكل بداية ثقافته الجنسية.. مهما كان الذي رآه شاذا وغريباً!.. وقد ينشأ ويكبر وهو يعتقد من قرارة نفسه أن هذا الذي رآه هو روح العلاقة الجنسية لأن هذه الذي رآه صادف عنده بداية فورته الجنسية، وبالتالي كان أرضاً خصبة لذلك.. هذه البذرة الخبيثة تثمر مع الزمن تصرفات خبيثة، قد تكون على شكل كلمات بذيئة وتصرفات خادشة مع زملائه في المدرسة، قد تكون على شكل تحرش بأطفال حينما يكبر، قد تكون على شكل تصرفات صادمة مع زوجته فيما بعد، وغير ذلك!

وقد يتسبب ما رآه في آثار نفسية سلبية، كأن ينطوي على نفسه، ويعيش عوالمه الخاصة في صمت، لأنه يعلم أن ما رآه هو أمر مخجل يرفضه المجتمع، ولكنه في نفس الوقت وجد لذة خاصة فيه، قد يدفعه ذلك إلى الإبحار أكثر وأكثر في ما رآه، قد يتطور ذلك إلى أن يخلق لنفسه شخصية سرية على الإنترنت مع مرور الأيام، ليبحر أكثر وأكثر، ويتواصل مع من يشاركه ذلك، لينتج عن ذلك أمور لا تحمد عقباها.

وقد يتسبب ما شاهده في حيرة نفسية عند، وتشكيك، وبالتالي فقدان الثقة بالنفس، وقد ينتج عن ذلك أن يصبح الطفل عنيفاً مع من حوله، ويرفض الآخرين، ولا يتقبل الحوار. قد يرى الطفل أنه قد أخطأ خطأ كبيراً بما فعل، وبالتالي يحتقر نفسه داخلياً. وهذا يهز شخصيته وثقته بنفسه إلى أبعد الحدود. قد ينتج عن ذلك صعوبة في النوم، بكاء بدون مناسبة، كوابيس.

 

ابني تعرض فعلاً لمحتوى إباحي، ماذا أفعل؟

قبل كل شيء: كم عمر ابنك أو ابنتك التي تعرضت لمحتوى إباحي؟ إن كانت 5 سنوات أو أقل فعلى الأغلب لن يُحدث ما شاهده أي تأثير عليهم، وبالتالي قد يكون الحل الأنسب هو تجاهل ما حدث، مع الاحتياط حتى لا يتكرر تعرضه لهذا المحتوى مرة أخرى. أما إن كان أكبر من ذلك، حينها علينا أن نتصرف، خصوصاً إن كان عمره ثماني أو تسع سنوات فأكثر.

أولا: خذ نفساً عميقاً، سيطر على أعصابك، وتصرف بهدوء. أحيانا ردة الفعل العنيفة أو المفاجئة تزيد كثيراً من صعوبة الموضوع، أحياناً هي التي تلفت نظر الطفل إلى أن ما شاهده هو شيء (مثير للاهتمام) وأنه (لماذا بالضبط تصرف أبي أو أمي هكذا؟)، وبالتالي يفكر فيه أكثر وقد يحاول العودة إليه مرات أخرى لمحاولة فهمه، أَعلمُ أن السيطرة على الأعصاب في اللحظة التي نرى فيها الطفل يشاهد محتوى إباحياً أمر صعب، ولكنه جزء من علاج وتخطي المشكلة، يمكن أن نطلب من الطفل أن يحضر شيئاً أو نناديه لنعطيه شيئاً يحبه وخلال ذلك نقوم بتغيير ما يشاهده كإغلاق الكمبيوتر أو تشغيل شيء آخر له يحبه، وهكذا.

اكسب بعض الوقت لتفكر جيداً في خطواتك وماذا ستفعل، على الوالدين حينها أن يتحدثا ويتشاورا مع بعضهما في هذا الموضوع، يمكن لهما أن يستشيراً أحد الأقرباء أو الأصدقاء ممن لديه خبرة جيدة في التربية إن كانا يريان أنهما يحتاجان لذلك.

 

تحدث مع ابنك

أهم خطوة على الإطلاق هي التواصل الجيد مع الطفل.. الحوار المفتوح البنّاء..

أما النمط التقليدي في التوجيه.. وهو أن نحضر الطفل ونعطيه محاضرة وعليه أن يسمع ويطيع.. فهي لن تجدي نفعاً هنا.. ولو تجاوب معها الطفل فإنه يقوم فقط بتغطية ما حصل معه حتى ينفجر في وقت آخر..

  1. اختر وقتاً مناسباً

على الوالدين أن يقررا سوية من سيتحدث مع الطفل، وكيف.. بعض الأطفال يتحدثون بحرية مع أبيهم أثناء اصطحابهم من المدرسة إلى المنزل مثلاً، وبعضهم يتحدثون بحرية مثلاً مع الأم حينما تجلس معهم قبل النوم.. اختارا الوقت المناسب ليبدو الموضوع وكأنه تلقائي.. أما محاولة فتح حوار مع الطفل في وقت غير مناسب فلن يحقق منه الاستجابة المرجوة.. بعض الأطفال مثلاً تعودوا على اللعب بعد الغداء.. حينما يناديهم الأب والأم للحديث معهم في هذا الوقت سيقوم الطفل بمحاولة إنهاء الحديث بسرعة وبأي طريقة فقط للعودة إلى ألعابه.. علينا أن ننتبه من ذلك.

  1. استمع أولاً

لا تعتقد أنك تعرف بالضبط ماذا حصل مع ابنك، وماذا شاهد، وما أثر ذلك عليه.. أنت في الأغلب لم تشاهد إلا لقطة من عموم المشهد وهي أن ابنك جالس أمام شاشة تعرض شيئاً مخلاً.. ما عدا ذلك فأنت لا تعرفه..

ولذلك.. من الخطأ أن تقوم فوراً بنصح ابنك.. قد يكون ابنك غير مدرك أصلا ما الذي حصل.. وماذا شاهد.. ونصحك المباشر له سيفتح إدراكه على أشياء لم تكن موجودة.. وبالتالي تكون أنت سبب في تضخيم المشكلة وليس حلها!..

استمع لابنك.. ابدأ بالحوار معه بطريقة أسئلة واستفهامات بسيطة.. ودعه يتكلم براحته.. ويسترسل كما يريد.. وإن بدأ بذكر أشياء صادمة فلا تنفعل أمامه لأن ذلك سيجعله يقطع حديثه وبالتالي لن تعرف أبداً بقية ما حصل معه.. كن هادئاً.. كن مستمعاً جيداً وصبوراً مهما كان حديث ابنك صادماً، أو مملاً.

اعرف منه ماذا شاهد، ولماذا شاهده، كيف وصل إلى ما شاهده، هل وصله بشكل تلقائي أم أن هناك شيئاً تعلمه من شخص ما، هل تحدث مع أحد من أصدقائه مثلاً حول ما شاهده، لا تتوقف هنا.. اعرف منه انطباعه ورأيه في الذي شاهده، أحياناً تكون تصوراته بسيطة وسطحية ولم يفهم بالضبط ما الذي شاهده، وليس كما نظن نحن بعقليتنا من أنه قد فهم الموضوع بأكمله..

الاستماع له أمر مهم جداً، عليك ألا تبني جداراً بينك وبينه، لأنك إن فعلت ذلك فلن يفضفض لك ويتحدث معك، وقد يذهب إلى شخص آخر ليتحدث معه حول ما يشاهده، ومن يكون هذا الشخص؟ لا أحد يعلم..

  1. ابدأ في الحديث معه من وحي ما قاله

بعد أن تشعر أن ابنك قد قال كل ما لديه.. حينها يمكنك أن تبدأ في الحديث معه..

وما ستقوله هنا يعتمد على نوعية الحادثة وما الذي شاهده، وعلى ما سمعته منه ومن فكرته هو عن الموضوع..

ولا يوجد هنا مسار واضح تتبعه أثناء حديثك معه، الموضوع يعتمد أولاً وأخيراً عليك وعلى تقديرك للموقف، ومعرفتك بنفسية طفلك وطباعه، ولكن الأهداف التي تريد أن تصل إليها هي ما يلي:

  • عليك أولاً أن تعطيه شعوراً بالثقة والأمان والاطمئنان، علاقتك النفسية معه مهمة جداً على المدى الطويل، فلا تخسرها.
  • تنمية الوازع الديني والأخلاقي لديه، وتشجيع حس المراقبة الذاتية عنده.
  • أن يعرف أن ما شاهده خطأ، أصل الفعل خطأ، ومشاهدته خطأ، وعليه أن يبتعد عن ذلك.
  • تحذيره من ألا يتحدث مع أحد حول ما شاهده إلا أباه أو أمه، وتشجيعه على أن يتحدث مع والديه كل ما طرأ معه أمر جديد، سواء تعرض لشيء جديد، أو بدأت عنده تساؤلات جديدة حول ما رأى وشاهد.

 

وهناك العديد من الأدوات التي يمكن للوالدين استخدامها، من ذلك التأكيد على الطفل أن ما رآه هو من الأفعال الشاذة والخاطئة، ويمكن إن كان عمره مناسباً أن يقال له أن هذا هو الزنا الذي هو حرام وكبيرة من الكبائر (بالمناسبة، الكثير من الصغار يعرفون كلمة “زنا” لأنها ترد عليهم في القرآن الكريم ولا يعرفون معناها، أو عندهم أفكار سطحية عنها)، بالتالي يمكن التركيز في الكلام على الوازع الديني، وعظم إثم من يفعل هذه الأفعال. كما يمكن التركيز على فضيلة غض البصر، ويمكن أن نورد له قصص من التاريخ عن أشخاص ابتعدوا عن الزنا، مثل قصة نبينا يوسف عليه السلام، وقصة المسكي التراثية.

 

وانتبه إلى ما يلي أثناء حديثك معه:

  • لا تقوم بإلقاء اللوم عليه أو تعنيفه.
  • لا تحاول تسطيح الموضوع بادعاء أن ما شاهده غير حقيقي.
  • حاول أن تمنح الطفل شعوراً بالرعاية والاهتمام والحماية أولاً وطوال الوقت.
  • اعمل على أن تمنحه شعوراً أن ما يشعر به الآن هو أمر طبيعي، سواء كان خوف، أو غضب، أو ضيق، أو عدم فهم وتشويش.
  • لا تقوم برد فعل عنيف وصادم كأن تسحب من بين يديه الآيباد أو تغلق تماماً الكمبيوتر في وجهه. هذا سيجعله لن يتحدث معك في أي شيء مماثل يواجهه غداً. وهذا سيمنحه شعوراً أيضاً بأنه هو السبب في الخطأ وأنك تلقي باللوم عليه.
  • اجعله يشعر أنك سعيد لأنه نحدث معك وصارحك بهذا الموضوع.

 

وإن رأيت أن هناك تأثيراً نفسياً قوياً على طفلك جراء ما شاهد، ولا يمكنك احتواء ذلك، فالأفضل حينها أن تستشير طبيباً نفسياً مختصاً ليحاول مساعدتك.

 

هل هذا يكفي؟

كلا بالطبع، كل ما سبق هو لمحاولة تجاوز أزمة حصلت، ولكن ما حصل هو جرس إنذار لنا أن هناك خللاً في نظام الرقابة الموجود في الأسرة.

علينا بعد ما حدث أن نعيد النظر في طبيعة استخدام الطفل للأجهزة الإلكترونية والحاسب الآلي.. من الخطأ أن نمنعه من استخدامه فجأة، ولكن علينا أن نضع القيود والضوابط التي تكفل بقدر الإمكان عدم تكرار ما حصل.. ونركز بالذات على الثغرة التي حصلت منها الحادثة.. إن كانت على سبيل المثال خللاً في الرقابة على متصفح الإنترنت فعلينا بتفعيل خاصية البحث الآمن فوراً..

ثم علينا أن نزيد من الرقابة على الطفل نفسه وعلى تصرفاته، هل هناك تغيير ملحوظ عليه؟ هل بدأت عليه علامات الانطواء، الخوف، عدم الرغبة في النوم؟ كل هذه المؤشرات تعني أن علينا أن نقترب أكثر منه، المشكلة لم تحل بعد.

كما علينا أن نمنع الطفل من أن يبقى لوحده فترات طويلة مع اقران له من الجنس الآخر، ويمكن أن نمنعه من المبيت عند أي أحد من أقاربه على الأقل في الأشهر الأولى بعد تلك الحادثة.

 
أضف تعليق

نشر بواسطة: في 25 مارس 2018 بوصة Uncategorized