RSS

Category Archives: مقالات

لماذا لا يكون لدينا مشاريع للأطفال مثل زهرة مايو؟


مشاريع تبرعات، عصبها، وروحها، الأطفال!

زهرة مايو..

هل سمع أحدكم بها؟

زهرة مايو ارتبطت بدولة السويد، نحن لدينا تصورات قديمة عن دولة السوبد، منها أنها البلد الأكثر رفاهية في العالم، وأنها البلد الأول في نسبة الانتحار في العالم (وهي معلومة مغلوطة بالمناسبة)، ومؤخراً زاد الحديث عن السويد على أنها (جنة الشمال) لعدة عوامل، يبدو من أهمها النشاط المكثف لحساب السويد بالعربية على تويتر، والذي نجح (بخفة دم 😊 ) في نشر الكثير من المعرفة حول السويد وثقافتها وعاداتها وتقاليدها.

ولذلك.. قد يكون بعضكم قد سمع بزهرة مايو.

 

ما هي (زهرة مايو)؟

زهرة مايو هي رمز لحملة تبرعات سنوية في السويد، تبدأ في وسط شهر أبريل، وتستمر لأسبوعين أو ثلاثة لتنتهي قبل بداية شهر مايو.

ولكن هذه الحملة ليست حملة عادية، أبداُ!

الموضوع بدأ منذ حوالي 110 أعوام، حينما قامت سيدة في مدينة غوتنبرغ بإطلاق حملة تبرعات للأطفال المصابين بمرض السل، حينها لم تكن دولة السويد قد وصلت إلى مستوى الرعاية الصحية المتكاملة للجميع وكان هناك الكثير ممن هم بحاجة للمساعدة. ونجحت الحملة بشكل لافت، قامت السيدة بتكرار هذه الحملة سنوياً حتى أصبحت على مستوى السويد كلها، وانتقلت الفكرة إلى الدول المجاورة. وفكرة هذه الحملة هي صناعة زهور صناعية كمشابك على الملابس وملصقات لبيعها وجمع التبرعات من الناس بهذه الطريقة.

مع الزمن، أصبحت الرعاية الصحية مضمونة للجميع في السويد، ولكن هذا لم يتسبب بتوقف الحملة، بل استمرت مع تغيير أهدافها لتصبح مساعدة الأطفال المحتاجين في كل مكان، ودعم مشاريع تنمية الأطفال وتطوير تعليمهم داخل السويد وخارجها.

الحملة أصبحت تقليداً شعبياً، مما قيل عنها: “لقد نجحت هذه الزهرة زرقاء نجاحاً باهراً، الكل يحتفل بها، أينما تذهب تجد هذه الزهرة معلقة على المعاطف، والبلوزات، والأوشحة، والبدل الرسمية، والقمصان. يتقلدها رجال الأعمال، الموظفون الرسميون، العمال، رجال الشرطة، الكبار والصغار، ترى هذه الوردة في كل مكان، وتشعر بأن الكل يفتخر بأنه جزء من هذه الحملة”.

وسنوياً، وعند بدء الحملة، تقوم ملكة السويد بشراء زهرة مايو بنفسها، في صور تتناقلها وسائل الإعلام.

كان اللون الرئيسي لهذه الزهرة هو الأزرق، ثم أصبحت ألوانها تتغير كل سنة، حتى أصبحت عادة عند الكثيرين أن يقوموا بجمعها وتبادلها، والبعض يفتخر بمجموعته خصوصاً إن كانت كاملة منذ تاريخ إطلاق هذا المشروع.

 

 

ما علاقة الأطفال بزهرة مايو؟

الأطفال هم العصب الرئيسي لمشروع زهرة مايو، وذلك لأنهم هم من يجمعون التبرعات!

المشروع أصبح مشروعاً وطنياً في السويد، يتم تفعيله وتشغيله عن طريق المدارس، ويشارك فيه طلاب الصفين الرابع والخامس الابتدائي في سائر أنحاء السويد. حيث تقوم المدرسة -بعد أخذ موافقة الوالدين- بتوزيع حقائب الزهور على الأطفال، وشرح الطريقة لهم، مع شرح أبعاد هذه القضية إنسانياً لهم.

الأطفال هم من ينتشرون في كل مكان في شهر أبريل، تراهم يتجولون بين الناس في الحدائق، يقفون أمام المولات والمراكز التسويقية، يدورون على المنازل، في تظاهرة ضخمة، لا ترى فيها غير الأطفال!.. يعملون بكل جهد لبيع زهرة مايو وجمع التبرعات..

وملكة السويد حينما تشتري زهرة مايو كل سنة، تقوم فعلياً باستضافة بعض الأطفال الذي يبيعون الزهرة في قصرها الملكي لتشتري منهم مباشرة.

لقد وضع مشروع زهرة مايو مشاركة الأطفال في هذا المشروع كهدف أول ورئيسي من هذا المشروع ككل، وذلك بعد أن أدركوا حجم الفائدة الكبيرة التي يستفيدها الأطفال المشاركين أنفسهم من مشروع زهرة مايو، وعلى الأخص زيادة الحس الإنساني لديهم والتعاطف مع الغير.

والمشروع مستمر في النجاح، أعداد الأطفال الذين يشاركون تزداد عاماً بعد عام، كما يتزايد حجم المبالغ التي يتم جمعها كل عام، حيث وصلت في العام الماضي 2015 إلى أكثر من خمسين مليون كرونة سويدية.

 

ماذا يستفيد الأطفال من مشروع زهرة مايو؟

  1. تنبيههم إلى أن هناك من يحتاج مساعدتهم في هذا العالم، وبالتالي زيادة الحس الإنساني لديهم.
  2. تعلمهم تحمل المسؤولية، بشكل مباشر في نحمل مسؤولية المهمة التي يريد إنجازها، وبشكل غير مباشر في مساهمته بمساعدة الأطفال المحتاجين.
  3. تعليمهم مهارات التواصل مع الناس، الشخص الانطوائي لن يبيع شيئاً، عليه أن يخرج ويقف ويتحدث مع الناس.
  4. تعليمهم مهارات البيع، طريقته في الكلام وأسلوبه يشجع الناس أكثر على الشراء منه والتبرع، كما يتعلم مواصفات العينات التي معه وأسعارها.
  5. تعليمهم مهارات التعامل مع النقود، بما أن الطفل سيبيع، معناها أنه سيستلم نقوداً من المشتري، وسيرجع له البافي، وعندما يعود إلى المنزل سيعد نقوده ويرتبها.
  6. الكثير من الأطفال يبيعون بالألافات، ومع ذلك أغلب الأطفال يوردون ما حصلوا عليه بالكامل، ومن النادر أن تحصل اختلاسات أو سرقات، إدارة المشروع تعمل على إعطائهم شعور بالثقة والمسؤولية.
  7. تعليمهم بعض المهارات التقنية: البرنامج يعطي للطفل خيار البيع عن طريق الجوال، وهذا سيزيد من مبيعاته بالطبع، حتى يفعل هذه الخدمة لديه عليه أن يتعامل مع الحاسب، يفتح حساباً في موقعهم على الإنترنت، ويتعرف بشكل جيد على طريقة البيع عن طريق الجوال، وكيف يتأكد من أن التحويل قد تم قبل أن يتمم البيعة مع المشتري.
  8. تعليمهم الكسب المشروع، وأن كسبك بقدر تعبك، حيث يحصل كل طفل على 10% من التبرعات التي يجمعها.

هل يمكن تطبيق فكرة كهذه لدينا؟

ولمَ لا؟.. المشروع يحتاج بشكل رئيسي إلى أن تتبناه جهة حكومية، ويتم إقراره في المدارس عن طريق وزارة التعليم. ويمكن في البداية تطبيقه على مدن محددة، ومناطق معينة، لاختبار المشروع والاستفادة من الأخطاء والعقبات التي تواجههم على أرض الواقع، ثم يمكن أن يتطور شيئاً فشيئاً حتى يتم تعميمه على جميع مدارس المملكة.

ونحن بطبعنا شعوب متعاطفة وكريمة، تحيط بنا الأعمال والمشاريع الخيرية من كل جانب، ونقف مع المسلمين في أزماتهم وفي المحن التي يمرون فيها في كل مكان، فلماذا لا نشرك أطفالنا في ذلك بمشاريع قوية وممنهجة تعود عليهم بالكثير من النفع، وتساهم في تطوير قدراتهم ومهاراتهم الحياتية؟

 

 

 

 

 

.

 
تعليق واحد

Posted by في 25 أفريل 2017 بوصة مقالات, طفولة

 

حينما تكون ثقافة شركة أحذية هي توصيل السعادة!


 

 

كثيرة قصص النجاح المبهرة في عالم الأعمال من حولنا.. أشخاص بنوا مشاريع وشركات من الصفر وأوصلوها إلى نجاح مبهر لم يكن أحد يتخيله. نتناقل جميعاً قصص نجاح شركة أبل ومؤسسها الفريد ستيف جوبز، شركة مايكروسوفت ومؤسسها بيل غيتس أغنى رجل في العالم، الواتس أب الذي تم بيعه بمبلغ خرافي، جوجل التي سيطرت على قطاعات عديدة في التكنولوجيا على مستوى العالم، سامسونغ التي تنافس ميزانيتها السنوية ميزانية بعض الدول، وأحدثها قصة سوق.كوم والتي بيعت لأمازون بمئات الملايين.

ولكن.. هل سمع أحدكم بشركة بيع أحذية اسمها زابوس؟

زابوس قصة نجاح أخرى كما سنرى.. ولكن ما يميزها أنها ليست قصة نجاح مالية فقط.. بل أنشأت ثقافة داخلية مميزة أصبحت حديث الكثيرين، ثقافة جعلتها تبدو كـ (القبيلة).. ووصل الأمر بها إلى تصدير ثقافتها الداخلية للشركات الأخرى..

 

الشركة التي كادت تفلس صاحبها!

البداية كانت فعلياً أقدم من ظهور هذه الشركة.. كانت عن طريق رجل أمريكي من أصول آسيوية، يدعى توني شيه، قام بإنشاء شركة تقنية، نجحت بشكل مبهر في وقت قصير ليبيعها ويصبح مليونيراً.. ثم قام بعدها بإنشاء صندوق استثماري وحاضنة أعمال، وأخذ يستثمر في العديد من المشاريع الصغيرة الناشئة.

وأحد هذه الشركات.. كانت شركة اسمها زابوس.. وكان خلفها رجل يدعى نِك سوينمورن..

كانت لدى سوينمورن فكرة إنشاء موقع على الإنترنت لبيع الأحذية، الفكرة كانت طموحة وشجاعة، ومخاطرة في ذلك الوقت الذي وافق انهيار فقاعة شركات الإنترنت في أمريكا.. وبعد تردد وافق توني شيه على الاستثمار في هذا المشروع ضمن المشاريع العديدة الصغيرة التي يستثمر فيها..

هل هذا معناه أن توني بدأ شركة زابوس وهو غني بالفعل؟ إذن هو لم يبدأ من الصفر!.. هذا صحيح.. ولكن المسار هنا مختلف.. لقد كادت هذه الشركة أن تخسف بتوني إلى الصفر!.. كادت أن تقوده شخصياً إلى الإفلاس..

بعد أن انطلقت الشركة في عام 1999 تشكلت لدى توني قناعة أن الشركة لديها مستقبل كبير، ولذلك ركز عليها وتفرغ لها، وأصبحت هي عمله الوحيد.. وكانت الشركة تحتاج إلى تمويل أكبر من التمويل الذي استثمره فيها، ولكنه لم يجد من يقوم بالتمويل، ولذلك أخذ يمولها من رصيده البنكي حتى قارب رصيده على الانتهاء، ثم أخذ يبيع ممتلكاته الواحدة تلو الأخرى وبأي ثمن حتى يوفر سيولة للشركة حتى لا يتوقف العمل فيها.. وحينما أوشكت الشركة على الإغلاق في عام 2003 وأوشك هو شخصياً على الإفلاس وافق أحد الصناديق الاستثمارية على دعمه ومساندته، لتكمل الشركة مسيرتها، وتكتب قصة نجاح مميزة ومختلفة..

لقد كانت مبيعات الشركة تتضاعف، فقد سجلت الشركة النتائج التالية كحجم مبيعات، في عام 1999: لا شيء، في عام 2000: مبيعات بقيمة 1.6 مليون دولار، في عام 2001 مبيعات بقيمة 8.6 مليون دولار، في عام 2002 مبيعات بقيمة 32 مليون دولار. ولكن بالرغم من أرقام المبيعات التي تتزايد بسرعة مذهلة كانت الشركة تسجل خسارة آخر كل عام لزيادة تكاليفها، وبالتالي لم تكن المبيعات توفر لها أي سيولة. ولكنها كانت تعطي مؤشراً قوياً جعل توني وشريكه سوينمورن يؤمنان أكثر وأكثر بشركتهم، وحينما وافق الصندوق الاستثماري على دعمهم في 2003، لم يوافق بسبب النتائج المالية وتضاعف المبيعات، خصوصاً وأن فقاعة شركات الانترنت جعلت المستثمرين يهربون من شركات الإنترنت، ولكن ما جعل الصندوق الاستثماري يقف إلى جانبهم هو إحساسهم بالشغف الشديد الذي يحمله توني وشريكه سوينمورن تجاه هذه الشركة.

استمرت المبيعات في القفز سنوياً بمعدلات مذهلة، حتى وصلت مبيعات الشركة في عام 2008 إلى مليار دولار!

وبالطبع نجاح كهذا يفتح شهية المستثمرين، وهذا ما أدى إلى أن تقدمت شركة أمازون بعرض الاستحواذ على شركة زابوس، وتمت الصفقة في عام 2009، بقيمة 1.2 مليار دولار.

المثير للاهتمام أن الاتفاقية تضمنت أن تبقى شركة زابوس كما هي: باسمها، بموظفيها، بمكاتبها، بمستودعاتها، بعناوينها، بإدارتها.

هذا القرار يخالف أبسط الحسابات الاقتصادية في الدمج خصوصاً وأن أمازون تعمل في نفس مجال عمل زابوس وهو بيع المنتجات على الإنترنت. ولكن الغريب أنه كان برغبة وحرص من شركة أمازون نفسها..

إذن.. ما هو الشيء القيّم والفريد الذي تملكه شركة زابوس ولا تريد شركة أمازون أن تخسره بالاندماج؟..

 

 

فن صناعة (الدهشة) عند الزبون

حينما انطلقت شركة زابوس، انطلقت مثلها مثل أي شركة أخرى.. رأت فرصة تجارية معينة.. واستهدفتها..

ولكنها.. ومع الزمن.. بدأت تطور بعض المفاهيم والقيم الداخلية، التي صنعت مجد الشركة فيما بعد..

الشركة كانت عبارة عن موقع بيع أحذية.. وكانت الفكرة الرئيسية أن يعمل الموقع كوسيط بين المشتري وبين البائعين.. بمعنى أن الشركة تعرض على موقعها منتجات الشركات الأخرى.. وحينما يطلب العميل حذاءً معيناً تقوم الشركة بشرائه من الموردين وإرساله للعميل الذي طلبه..

مالياً.. هذه الفكرة لم تكن تكلف الشركة شيئاً.. لا يتم شراء حذاء إلا عند بيعه.. وبالتالي لا يتم شراء أحذية تبقى في المستودعات ولا تباع.. ولا توجد أصلاً مستودعات وتكاليف تخزين..

ولكن هذه الفكرة كانت تأتي لهم بمشاكل كثيرة.. منها أنه وبعد طلب الزبائن لأحذية معينة، يجدونها قد نفدت من عند البائعين.. إلى درجة أن أصبح أغلب ما يتم بيعه بالفعل في الموقع هي الأحذية المتبقية عند الموردين.. أما الأحذية الجديدة والتي عليها طلب من الجمهور فيتم توزيعها في السوق وتنفذ قبل أن تتمكن زابوس من بيعها على عملائها..

حينها اتخذت الشركة قراراً جريئاً بالدخول فعلياً في تجارة توزيع الأحذية.. أي أن تشتري الأحذية بالفعل وتضعها في مستودعات وتكون متوفرة لعملائها.. وبالرغم من المخاطرة الكبيرة والجريئة والتكاليف الإضافية إلا أن هذه الخطوة قفزت بمبيعات الشركة إلى مستويات عليا..

وحصلت معهم تجارب أخرى.. منها أن عميلاً اشترى حذاءً منهم، فقامت الشركة بترقية الإرسال بالبريد إليه من البريد العادي إلى البريد السريع ليصله الحذاء في وقت قياسي، مما جعل العميل يشعر بامتنان شديد، وأخذ يحدث عائلته وكل من حوله عنهم ليحضر لهم المزيد من الزبائن.. وهذا شد انتباه الشركة..

حينها.. وبعد العديد من التجارب المماثلة.. اتخذت الشركة قراراً جريئا، غير مسار الشركة ككل..

القرار كان أن تتمحور الشركة بشكل كامل حول مفهوم خدمة العملاء..

قد يبدو هذا الكلام سطحياً وبسيطاً.. ولكن هناك فرق أن يكون مجرد عبارة تتغنى بها بعض الشركات.. وبين أن يكون مفهوماً عميقاً يحرك كل عمليات الشركة..

طرحوا الموضوع على الموظفين.. وأخذ الموضوع وقتاً طويلاً حتى يتم زرعه في عمليات الشركة، وفي عقليات الموظفين، لينعكس بشكل قوي على عمليات الشركة فيما بعد..

من القرارات الأولية التي نتجت عن تبني مفهوم خدمة العملاء هو إلغاء أن تكون الشركة وسيطة في شراء الأحذية تماماً.. كانت الشركة وبعد أن أخذت تشتري الأحذية وتبيعها لا تزال تعمل أيضاً كوسيط شراء كما بدأت.. والوساطة كانت تشكل 25% من مبيعاتها، وتعتبر مالاً سهلاً بدون أي مخاطرة.. ولكن لأن هذا البند كان ينتج عنه عدم رضى من بعض العملاء لأن الشركة لا تتحكم بتوفر البضاعة لهم تماماً، قررت الشركة أن تستبعد هذا البند تماماً وتركز على العمليات التي يمكنها التحكم فيها بالكامل وبالتالي تضمن خدمة مميزة للعميل..

والمثير أنهم أغلقوا هذه الخدمة واستغنوا عن الدخل الوارد منها وهم في عزّ أزمتهم المالية في 2003، حينما كانوا مهددين بالإغلاق إن لم تحصل معجزة ويأت مستثمر وينقذهم.. هذا هو الإيمان المطلق بالهدف!

وفوراً، وفي نفس العام، أصبحوا يوفرون خدمة عملاء تعد ثورية في ذلك الوقت.. كان لديهم أفضل تشكيلة أحذية على الإطلاق على مستوى مواقع الإنترنت، وعلى مستوى محلات وأسواق الأحذية العادية أيضاً!، كانوا يوفرون خدمة الشحن المجاني للحذاء إلى أي مكان في أمريكا، والإرجاع المجاني أيضاً!، كانوا يقومون بترقية مستوى الشحن من عادي إلى مميز لتصل الأحذية إلى الزبائن خلال يومين كحد أقصى!..

كانت الشركة تعلم أن ذلك يكلفها أكثر حالياً، ولكنها على قناعة من أنهم أيضاً يبنون بهذه الطريقة قاعدة عملاء قوية ستعود عليهم بالنفع مستقبلاً.. كانت تراهن بكل قوتها على أن خدمة العملاء هي ما سيحقق لها النجاح الحقيقي.

من تجارب الشركة أيضاً أنهم ومع توسع أعمالهم احتاجوا إلى مستودعات أكبر، عرضت عليهم شركة مستودعات كبيرة أن تدير لهم مستودعاتهم، ووافقوا، ولكن نقل إدارة الأحذية إلى تلك الشركة كانت خطوة فاشلة، فتلك الشركة لم تكن تحمل هم خدمة العميل مثل شركة زابوس، وهذا نتج عنه تأخير في فرز وتوزيع البضائع الجديدة، وتأخير في استخراج الحذاء المطلوب وإرساله إلى العميل.. لم تكن شركة المستودعات تعي ماذا يعني بالضبط أن يصل الحذاء للعميل قبل وقته، أو في وقته على الأقل، ولم تكن تتشارك الهمّ في ذلك مع شركة زابوس، ولذلك قامت زابوس بالاستغناء عنهم وبناء مستودعات كبيرة خاصة بهم وتحت إدارتهم.

وجعلت زابوس العمل في هذه المستودعات على مدار الساعة، مناوبات مستمرة، فلو طلب عميل حذاءً في أي لحظة، يتم استخراج الحذاء الذي طلبه وإرساله على الفور.. من يعمل في إدارة المستودعات والخزين يرى أن هذه خطوة مبالغ فيها، فالأفضل اقتصادياً تجميع عدة طلبات ثم يقوم العامل باستخراجها في وقت واحد وإرسالها سوية بدلاً من أن يدخل المستودعات الضخمة في كل مرة من أجل حذاء واحد، وكان يمكن أيضاً أن يكون العمل في المستودعات نهاري فقط في مناوبة واحدة لتجميع وإرسال كل الطلبيات التي أتت في الليل، ولكن لأن الشركة كانت تتمحور حول خدمة العميل كانت نظرتهم مختلفة.. كان الزبون أحياناً يقوم بإجراء طلبية في المساء، ليجدها على باب منزله صباح اليوم التالي! كانت هذه الخطوة تخلق رضا غير مسبوق عند العميل.. وتجربة مميزة لا تقدر بثمن!..

المثير أيضاً أن الشركة أخذت تقتطع من ميزانيات التسويق لتصرفه على تكاليف الأنشطة الخاصة بخدمة العملاء.. الشركة كانت على قناعة بأن الزبون المندهش من روعة خدمات الشركة سيسوق لها بشكل أفضل من الإعلان التقليدي، ولذلك كانت الشركة حريصة على إدهاش كل الزبائن.

لقد تشبعت شركة زابوس تماماً بمفهوم خدمة العملاء.. ليصبح الشعار التجاري لشركة الأحذية شعاراً ليس له علاقة بالأحذية!.. حيث أصبح شعارها: أفضل خدمة عملاء على الإطلاق “The Very Best Customer Service”.

 

(الكول سنتر)، بمنظار (البراندينغ)!

حينما نظرت شركة زابوس إلى مركز استقبال اتصالات العملاء، أو (الكول سنتر)، بنظارة بناء اسم الشركة وليست بالنظارة الاقتصادية المالية المعتادة، قاموا ببناء مركز استقبال الاتصالات بشكل مختلف وغير معتاد، وأسموه (فريق ولاء العملاء).

اكثر الشركات تدير مراكز (الكول سنتر) عن طريق قياس أداء كل موظف بحسب عدد الاتصالات التي استلمها كل يوم، وهذا يجعل الموظفين يستعجلون في انهاء اي مكالمة للحصول على المكالمة التالية، وهذا في نظر زابوس لا يخلق تجربة رائعة للزبون.

في زابوس يتركون الحرية للموظف.. يثقون به وانه يعمل تماما لهدفهم وهو خلق تجربة رائعة للعميل.. لا يمانعون في أن تستمر المكالمة الواحدة مع الزبون الواحد لساعات!.

كما لا يوجد نص يتم تلقينه لموظف خدمة العملاء، بل يتركون كل موظف ليتصرف بشخصيته وبعفوية مع الزبون حتى يبني معه علاقة شخصية. ويتفاعل معه حسب احتياجاته الخاصة، ويعطون كامل الحرية للموظف ليتصرف فيما هو الأفضل في خدمة اسم الشركة، المعيار الأساسي عندهم: أن يكون الزبون راضياً تماماً من اتصاله بزابوس، مهما كان يريد.

من ذلك، حينما يتصل زيون ويسأل عن موديل بمقاس معين قد نفد من مستودعات زابوس، حينها يقوم الموظف بالبحث على الإنترنت مباشرة ويزوده بأسماء وعناوين ثلاث شركات منافسة على الأقل يتوفر عندها طلب الزبون، هم بالتأكيد خسروا هذه البيعة، ولكن موظفي (الكول سنتر) لا يهدفون إلى تجويل كل اتصال إلى عملية بيع، بل يهدفون إلى بناء زبائن على المدى الطويل.

وأغلب الشركات يرون مركز استقبال اتصالات العملاء على أنه مركز تكلفة، في جين تراه زابوس على أنه فرصة لكسب زبائن حقيقيين على المدى الطويل، هم يرون كل عميل على أنه هدف متنقل وثمين، يزداد مردوده الإيجابي على الشركة كلما زاد مستوى التفاعل الإيجابي معه والأثر الإيجابي عليه.

 

كل شركة ناجحة.. خلفها ثقافة داخلية ناجحة

حينما أنشأ توني شيه شركته الأولى التي جعلته مليونيرا.. مرّ في تلك الفترة بتجربة مهمة غرست في داخله قيماً مهمة للمستقبل..

حينما أنشأ شركته تلك.. بدأت الشركة بفريق صغير متجانس كالأسرة الواحدة.. كانوا متآلفين مع بعضهم البعض.. ويجمعهم هدف نجاح موحد.. وحينما نجحت الشركة وكبرت كان من تبعات ذلك أن تم توظيف عدد كبير من الموظفين في وقت قصير.. وفي لحظة ما أدرك توني أنه خسر مفهوم الأسرة الواحدة.. التوظيف الكبير والسريع أحضر للشركة عدد كبير من الموظفين غير المتجانسين.. الذين يسعون للنجاح الشخصي فقط.. وأصبح بالتالي العمل في تلك الشركة ليس ممتعاً بالنسبة إليه.. وهذا أحد الأسباب الرئيسية اتي جعلته يوافق على بيع الشركة حينها..

ولذلك.. حينما انطلق في قصة نجاحه الجديدة في شركة زابوس.. كان على يقين من أن الاستمرار في النجاح بلا حدود يعني أن عليه أن يحافظ على روح الأسرة الواحدة في الشركة مهما كان الثمن..

كان عليه أن يبني ثقافة داخلية مميزة وفريدة..

منذ البداية.. كان حريصاً على إقامة الأنشطة المختلفة الجماعية للموظفين.. كانت تلك الأنشطة تبني علاقات قوية ومتينة بينهم.. أحياناً كانت مكافأة الموظفين أن يسافروا جميعاً إلى منتجع معين ويقضوا فيه يومين أو ثلاثة..

ثم حدث تطور جوهري في تاريخ الشركة، ساهم في خدمة هذا الهدف إلى حد كبير..

مع تطور أعمالهم، حدث ما يحتم عليهم نقل مقر شركتهم إلى مدينة أخرى.. كانت إحدى تلك الخيارات مدينة لاس فيغاس.. والتي تم اعتمادها لتكون المقر الجديد لشركتهم ليس لأنها الأفضل اقتصادياً بل لأنها التي توفر أكبر قدر من البهجة للموظفين!.. كان حجم الفريق حينها 90 موظفاً.. ووافق 70 منهم على الانتقال للمدينة الجديدة ليكمل العمل في شركة زابوس.. كان توني وشريكه يتوقعان موافقة أقل من هذا العدد.. ولكن تفاجؤوا أن من أهم الأسباب التي جعلت أغلب الموظفين يوافقون على الانتقال هو أنهم كانوا قد كونوا صداقات ومجتمع صغير داخل الشركة ولا يريدون أن يبتعدوا عنه!..

الذي حصل هو أنه مع انتقال هذا العدد من الموظفين جميعاً إلى لاس فيغاس.. أصبحت كل علاقات الموظفين الاجتماعية داخل الشركة.. لم يكن لأحد علاقات اجتماعية خارجية أو أصدقاء قدامى أو شلل يذهب معها.. هذا ساهم بشكل كبير في تقارب الموظفين مع بعضهم البعض وخلق مجتمع صغير قوي ومتجانس.. لقد أصبحوا كالقبيلة..

حينها.. وللحفاظ على ثقافتهم الداخلية.. وقبيلتهم الفريدة من نوعها.. وضعوا قواعد إضافية في التوظيف.. من هذه القواعد أن يكون الموظف ظريفاً ومرحا واجتماعياً.. بحيث يكون عضواً فعّالا في جلساتهم التي تتم خارج العمل!.. يقول توني أنهم رفضوا بالفعل عدد كبير من المتقدمين المميزين للغاية في مجالات أعمالهم فقط لأنهم لم يكونواً قادرين اجتماعياً على الانضمام لأسرة زابوس.

وقامت الشركة ببعض الخطوات البسيطة والتي كان لها تأثير كبير في زيادة ترابط الموظفين بعضهم ببعض.. منها أن مبنى الشركة كان له العديد من المداخل.. تم إغلاقها جميعاً وتحويلها لمخارج طوارئ وتحديد مدخل واحد فقط وذلك حتى يزيدوا من فرص التقاء الموظفين بعضهم ببعض.. ومن ذلك أيضاً أنه وعند دخول كل موظف إلى حاسبه الآلي وبعد إدخال اسمه وكلمة السر تظهر له صورة عشوائية لأحد الموظفين وعلى الموظف أن يحاول معرفة اسم صاحب الصورة من ضمن عدة خيارات، وبعد أن يجيب تظهر له نبذة بسيطة عن ذلك الموظف.. تمت تسمية هذه الحركة (لعبة الوجه Face Game).. هذا جعل الموظفين يتعرفون على بعضهم البعض باستمرار خصوصاً مع زيادة عدد موظفي الشركة على مر السنوات..

أعظم أفكار شركة زابوس أتت من جلسات السمر.. وليست من مكاتب العمل.. بداية من فكرة الاهتمام بالعميل وأن تتمحور الشركة ككل حول مفهوم خدمة العملاء.. مروراً بالعديد من الأنشطة الداخلية التي زادت من قوة تماسك أسرة زابوس.. وانتهاء بكتاب ثقافة زابوس الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ الشركة..

 

كتاب زابوس.. حيث يكتبه الجميع!

كان موظفي شركة زابوس في جلسة سمر يوماً ما.. حينها دار بينهم حديث عن مفهوم ثقافة زابوس لديهم.. وأصبح كل موظف يتكلم كيف يرى ثقافة شركة زابوس كما يفهمها هو.. حينها ظهرت فكرة كتاب ثقافة شركة زابوس..

عادة تقوم الإدارة العليا في الشركات بكتاب وثيقة ثقافة الشركة.. وتقوم بتوزيعها على الموظفين لتطالبهم بقراءتها والعمل على تبنيها.. أما في ما حدث في زابوس فكان أمراً مختلفاً.. كانت زابوس تتمتع بالفعل بثقافة قوية حقيقية تم بناؤها فعلياً مع الزمن.. كانت تلك الثقافة أكبر قيمة من أي كتاب ثقافة تقوم شركة استشارات خاصة بكتابته..

ولذلك.. كانت فكرة كتاب ثقافة زابوس.. أن يقوم كل موظف من موظفي زابوس.. بكتابة ثقافة زابوس وما الذي يميز شركته عن الشركات الأخرى كما يراها هو، وماذا تعني بالنسبة له.. من وجهة نظره كفرد حقيقي ومهم من أفراد أسرة زابوس.. ووضعوا قانوناً مهماً في هذا الكتاب.. وهو أن كل ما سيكتبه الموظفين سينشر كما هو.. لن يتم التدخل في أي شيء.. ولن يتم تعديل أو حذف أو إضافة أي كلمة على كلام أي موظف!.. ما عدا التصحيح اللغوي البسيط.. ويمكن للموظف أن يطلب إخفاء اسمه وصورته، وله ذلك.. كما قاموا بالتنبيه على الموظفين بألا يتكلموا مع بعضهم عن هذا الموضوع حتى لا يؤثر أحد على أحد.. ويكون ما كتبه كل موظف نابع من قناعته الشخصية بدون أي تأثير..

كانت جرأة كبيرة من إدارة الشركة.. ولكنهم كانوا واثقين تماماً من خطوتهم الفريدة هذه..

وبالفعل.. وُلد كتاب ثقافة زابوس.. كان كتاباً واقعياً يعرض قيم ومشاعر وأفكار حقيقية لكل فرد من أفراد زابوس.. والذين هم كلهم مجتمعين يشكلون ثقافة شركة زابوس.. وأصبح هذا الكتاب إصداراً سنوياً.. وجزءا لا يتجزأ من ثقافة الشركة.. ويتم توزيعه على موظفي الشركة.. وعلى الموردين.. والزبائن أيضاً..

الكتاب متوفر لمن أراد، ويمكن تحميله عبر هذا الرابط:

https://www.zapposinsights.com/culture-book/digital-version/download-cb

 

يمكنك زيارة الشركة.. ولا يمكتك توقع ما الذي ستراه!

أصبحت الشركة تقدم فرصة لزيارة مقر شركتها ليشعر الناس بمعنى خدمة العملاء الذي تمحورت الشركة كلها عليه.. وكيف يعمل الموظفين جنباً إلى جنب في تقديم هذا المفهوم..

المثير في الموضوع أنه قد أصبحت لدى الموظفين أيضاً ثقافة بأن يخلقوا تجربة مدهشة للزوار، تجربة لا تنسى.. وبدون أي ترتيب أو تنسيق مع إدارة الشركة!.. حينما تزور الشركة ستختلف تجربتك عن تجربة غيرك.. فالموضوع يعتمد على مَن مِن الموظفين موجود وقتها وما هي الأفكار التي خرجوا بها ذلك اليوم.. قد تجد مثلاً آلة فيشار تم تغيير شكلها الخارجي لتصبح كالروبوت.. أو موظفين يرتدون زي القراصنة.. أو ممر قد تم تحويله إلى ملعب بولينغ.. أو موظفين يغنون أغاني جماعية، أو غرفة تم تجهيزها لتكون غرفة نوم، قد تتفاجأ بموكب غنائي استعراضي لأن أحد الموظفين قرر أن يحتفل بقدوم الخريف مثلاً.. أو منصة تصوير.. أو قد تصادف زياراتك أحد الأيام التي يتم فيها إجراء التحدي الداخلي بين الموظفين لحلاقة شعر رؤوسهم على الصفر بواسطة زملائهم!

إثارة مستمرة.. هذه ليست بيئة عمل رتيبة على الإطلاق!

الجنون في تشكيل بيئة المكتب

الرسوم تملأ الجدران الداخلية للشركة

تزحلق على الثلج داخل مقر شركة زابوس!

مسابقة أكل النودلز!

مركبة فضائية وضعت لشهرين داخل مقر الشركة وتحوي غرفة اجتماعات حقيقية بداخلها

النتيجة: شركة لا مثيل لها!

الثقافة الداخلية التي بنتها شركة زابوس كانت مميزة وفريدة من نوعها.. لقد نجحوا في بناء أسرة متماسكة وقوية.. لها ثقافة مشتركة.. وذاع صيتهم في كل مكان حتى أصبح البعض يقول عنهم مازحاً أنهم عبارة عن مذهب ديني جديد!

هذه الثقافة أهّلت موظفي شركة زابوس لتشرّب هدف الشركة الرئيسي وهو خدمة العملاء.. ليقوموا بتنفيذه على أكمل وجه.. وبكل ثقة.. وينجحوا سوية بتضامنهم وترابطهم من بناء شركة وضعت اسمها وبكل جدارة مع الشركات الكبرى في أمريكا.. بل وتحافظ على اسمها وسمعتها وهويتها حتى بعد الاستحواذ عليها..

هذا هو النجاح بحق!

 

مقر شركة زابوس

الموظفين في أحد المناسبات في ساحة الشركة

توني شيه

 

 

 
أضف تعليق

Posted by في 1 أفريل 2017 بوصة مقالات, تقنية

 

براشيم الوداع!


هل أنت مستعد لأن تموت؟

(هذا الموضوع ليس موعظة دينية.. أنا لست شيخاً 🙂 … بل تفكير عملي..)

 

تخيل معي لو أنه، ولأي سبب من الأسباب، أبلغوك الآن، فجأة، بأن أمامك دقيقتان وستموت..

دقيقتان.. وستنقطع فيها عن هذا العالم.. تنتهي حياتك.. وتنتهي صلتك بكل من حولك..

ترى.. ماذا ستفعل في هاتين الدقيقتين؟

توقف الآن عن القراءة.. وتخيل فعلاً أنك في هذا الموقف!.. دقيقتان.. أمامك دقيقتان!..

أنا أتحدث بشكل جدي.. أمامك دقيقتان وستموت!

ما هو أول شيء ستفعله؟!

 

نتحدث كثيراً في مجالسنا.. وفي رسائل الواتس اب التي ننسخها ونرسلها للكثيرين دون حتى أن نقرأها بالكامل.. وفي خطب الجمعة.. وفي مجالس العزاء.. عن الموت.. والاستعداد للموت.. ونتعامل كلنا مع هذا الحديث ببرود وكأننا جاهزون للموت..

أو بالأصح.. وكأن الموت لن يأتينا الآن.. وسنكون جاهزين له حينما يأتي!

لدينا قناعة داخلية لا نصرح بها أن وقتنا لم يحن الآن!.. أليس كذلك؟

دعني أسألكم.. في آخر عشر وفيات تمت حولكم.. لأقارب أو معارف.. أو حتى لأشخاص معروفين في المجتمع.. مَن مِن هؤلاء كان يتوقع الموت؟ مَن مِنهم كان جاهزاً له حينما أتى؟

شخصياً.. في حياتي كلها.. لا أعرف أشخاصاً ماتوا وكانوا يتوقعون الموت إلا حوالي أقل من عشرة.. من ضمن مئات!..

وهؤلاء كانوا يتوقعون الموت لإصابتهم بأمراض خطيرة لا شفاء منها.. أشهرها السرطان..

أما البقية.. فكلهم.. بلا استثناء.. لم يكونوا يتوقعون قرب لحظتهم.. بما فيهم كبار السن!..

 

توفي والدي منذ حوالي شهر ونصف.. كانت وفاته صادمة لنا جميعاً.. لم نكن نتوقعها.. ولم يكن أحد يتوقعها.. ومررنا بلحظات عصيبة لا يدركها إلا من فقد أباه أو أمه.. أو شخص عزيز عليه ونادر الوجود..

والدي تجاوز الثمانين من العمر.. ولكن هذا لم يكن سبباً لأن نتوقع رحيله.. فمن يعرف والدي رحمه الله يعرف أنه يهتم كثيراً بصحته.. له نظام غذائي صارم لا يتجاوزه إلا نادراً.. ويحرص على المشي.. وحتى آخر عمره رحمه الله كان يسبقنا ويسبق أحفاده في المشي.. كان نشيطاً وعالي الهمة.. يدبر أموره بنفسه..

أبو والدي، جدي رحمه الله كان قد توفي وقد تجاوز المئة عام، وتوفي بحادث وليس بسبب كبر السن والأمراض التي تصاحبه..

كل هذا جعلنا جميعاً لا نتوقع وفاة والدي.. بالتأكيد بقي له عشر أو عشرين عاما!.. هكذا كانت تحدثنا أنفسنا..

وأعتقد.. والله أعلم.. أنه هو نفسه لم يكن يتوقع هذه اللحظة..

 

بعد وفاة والدي رحمه الله لم نجد له وصية.. وهذا الأمر غريب نوعاً ما لمن يعرف شخصية والدي الحريصة على ترتيب كل التفاصيل.. الذي عودنا منذ الصغر ألا نخرج من المنزل إلا على وضوء تحسباً لأن يدركنا وقت الصلاة.. وأن يكون في جيبنا دوماً مفتاح احتياط للسيارة في حال أقفلنا الباب على مفتاحها بالغلط.. وأن نقوم دوماً بتصوير جميع أوراقنا الرسيمة وحفظها في ملف تحسباً لضياعها.. وأن نحل واجباتنا المدرسية حتى لو لم نكن متأكدين هل هو واجب أم لا..

كان أبي حريصاً على الاحتياط والترتيب المسبق لكل أمور حياته..

ومع هذا.. لم نجد له وصية..

 

بعد وفاته.. وقعنا نحن أبناؤه وبناته في حيرة..

ترى هل لأحد من الناس حق على والدي؟

نحن يغلب على ظننا -بحكم معرفتنا بأبينا- أنه لم يقع في الدَّين.. فهو يكره الدين ويرى أنه مذلة للرجل.. وعاش رحمه الله عيشة كفاف مستورة..

ولكن أبي كان له باع في أعمال الخير.. كان يتولى شؤون العديد من الأسر المحتاجة من الأقارب والمعارف وأهالي بلدتنا.. وبالتالي كان يتلقى تبرعات وأمانات ممن يثقون به ليوصلها لهم..

ترى هل عنده أمانات حالياً؟ هل توجد في ذمته أموال لآخرين؟

لم يترك لنا رحمه الله أي معلومة جاهزة!

وأحتاج الموضوع بحثاً دقيقاً وتحليلاً للحركة المالية في حساباته، والنقد المتوفر عنده.. وسؤال من نعرفهم ممن يوصلون له الأمانات.. حتى أستطعنا حصر الأمانات بعد أسابيع.. لإيصالها إلى أصحابها..

 

وكانت هناك تفاصيل أخرى، تمنينا لو أنه أبلغنا بها قبل وفاته.. مثل كلمة سر جهاز الكمبيوتر الذي يحتفظ فيه بإرثه الشعري.. ومن هي بالضبط الأسر المحتاجة التي يتولاها، وكيف.. وغير ذلك..

 

ما حصل.. جعلني أفكر كثيراً..

والدي دخل لينام.. وتفكيره مليء بالآمال والألام والأحلام.. لتكون هذه نومته الأخيرة..

وبعد وفاة والدي تزايدت أخبار الوفيات من حولنا.. في أيام العزاء توفيت والدة صديق، ووالد صديق آخر.. وابن عم صديق ثالث..

وإلى الآن لا يمر يوم أو يومان إلا وتأتي أخبار وفاة أحدهم.. بعضهم ممن عزانا في والدنا.. رحمهم الله جميعاً..

ما الذي يمنع أن أدخل الآن لأنام وتكون آخر نومة لي؟

الاحتمالية واردة جداً..

ستقولون جميعاً: لا.. ليس الآن.. لم يحن وقتك بعد.. أمامك عمر طويل لتعيشه..

ولكن كل هؤلاء الذين ماتوا جميعاً كانوا يسمعون هذا الكلام.. ويقولونه لغيرهم..

إذن.. لنفكر بواقعية..

الموت حق.. وقد يأتيك في أي لحظة..

فلو تخيلت أنك ستموت الآن.. وسينقطع اتصالك تماماً بعالم الأحياء.. ما هي الرسائل التي تتمنى أن توصلها لنا؟

ما هي الرسائل.. أو الأخبار.. أو المعلومات التي تتمنى أن توصلها لزوجتك وأولادك الذين يلتفون الآن ويبكون حولك؟

 

بالنسبة لي.. وضعت حلاً.. وأسميته: براشيم الوداع!

البراشيم.. لمن لا يعرفها.. هي تلك الأوراق الصغيرة التي يستخدمها الطلاب للغش في الاختبارات.. يكتبون عليها ما يستطيعون من معلومات من الكتاب.. ويتفنون في صغر حجمها حتى يتمكنون من إدخالها إلى قاعة الاختبارات واستخدامها بخفية.. كما يمكنهم من تمريرها لبعضهم البعض..

وبراشيم الوداع.. هي مثل براشيم الاختبارات.. ورقة صغيرة.. يمكنك وضعها في محفظتك الشخصية.. بحيث لا تثقل عليك.. ويمكن لها أن تبقى بين بطاقاتك البنكية والثبوتية بدون أن يكون لها أي وجود يذكر..

وأن تضعها في محفظتك أمر مهم.. لأن المحفظة هي من أول الأغراض التي تفتح من أغراض الميت.. أما إن خبأت الورقة في مكان آخر كأحد أدراج غرفتك مثلاً فقد تضيع بدون أن ينتبه لها أحد.. كما أن وجودها في المحفظة يعطيها مصداقية عالية.. وأنها حديثة وليست قديمة..

أما ما تحويه هذه البراشيم.. فهي بكل بساطة كل المعلومات التي تهمك أن تصل لأهلك..

شخصياً.. فكرت بما يلي:

فكرت في أن أسجل في ورقة صغيرة من لهم حقوق علي.. ولا أعني بهذه الحقوق الديون فقط.. بل هي تشمل بالإضافة إلى الديون: الأمانات، التبرعات، وأيضاً الدفعات المالية لبعض المشاريع.. تخيل مثلاً أنك مسافر وأعطاك صديق مبلغاً من المال لتشتري له شيئاً.. هذه أمانة.. ويجب أن تسجل..

يمكنك أيضاً أن تضع قائمة بمن تطالبهم بحقوق.. حتى لا يضيع حق زوجتك وأولادك من بعدك..

فكرت في أن أضع قائمة بحساباتي البنكية.. في أي بنك.. وما هي أرقام الحسابات.. (تخيل أن تذهب عن هذا العالم ولديك رصيد في بنك ما تركته لأولادك.. ولكن لا أحد يعلم به.. وبالتالي يتجمد في البنك ولا أحد يسأل عنه!)

ويمكن للمعلومات في هذا السجل الصغير أن تزيد حسب كل شخص.. قد ترى أن تضع فيها كلمة سر جوالك مثلا.. أو كلمة سر كمبيوترك.. أو مثلا مكان وجود وصيتك.. قد تحوي بعض الأسرار المهمة والخطيرة التي لا تجرؤ على كشفها في حياتك كأن يكون لك زوجة وأولاد في مكان آخر لا أحد يعلم بهم!

وقد تضيف لهذه الورقة أيضاً قائمة بأسماء من ترى أنك أخطأت بحقهم ولم تكن لك الجرأة للاستسماح منهم.. على الأقل دع أهلك وأبناءك يقومون بذلك.. وكن على ثقة من أنهم سيفعلون المستحيل من أجلك بعد وفاتك.. حتى لو أن شخصاً حقيراً أعتدى عليك في حياتك قد تجد أبناءك يذهبون إليه بعد وفاتك ويطلبون منه أن يسامحك، لأنهم سيدركون حينها أنك في قبرك بحاجة إلى كل حسنة حتى ولو كانت من أشر الناس حولك..

وإن كانت هذه المعلومات كثيرة.. أو تراها سرية وتخشى أن تُعرف الآن.. فيمكنك أن تضعها على ملفات في هاتفك أو كمبيوترك.. بشرط أن تكتب أين هذه الملفات وكيفية الوصول إليها وكلمة السر في ورقة وتضعها في محفظتك.. ويمكنك أن تغير كلمة السر كل شهر وتقوم بتحديثها في الورقة لضمان مستوى أعلى من السرية..

 

لا تتهاونوا في الأمر.. طالما أن احتمال رحيلك عن الدنيا قائم في أي لحظة.. فقد تكون بعد قليل.. انزع الآن ورقة من أقرب دفتر إليك..

وابدأ في الكتابة..

 

 

 

 

 

 

 

 

 
أضف تعليق

Posted by في 8 فيفري 2017 بوصة مقالات

 

بريطانيا تطلق أول موقع من نوعه متخصص في حماية الأطفال من فكر الإرهاب


Untitled

الإرهاب والفكر المتطرف أصبح يقض مضجع العالم.. فبعد أن كانت الدول تعتمد على قوتها في حماية حدودها لتضمن أمنها الداخلي.. أتى الفكر المتطرف ليتسلل إلى العقول في الداخل عبر وسائل الاتصال المختلفة، ليصبح من أبناء هذه الدول متطرفين غير معروفين، يظهرون فجأة في حدث جلل ودموي.. وهذا ما جعل مكافحة الإرهاب وفكر التطرف على رأس أولويات الكثير من الحكومات..

ولكن، أكثر هذه الحكومات لم تلتفت بنفس الاهتمام إلى شريحة الأطفال، إما لعدم اهتمامهم بها وإدراكهم لخطورتها، أو لعدم فهمهم لها.. وهذا ينذر بأخطار مستقبلية، حيث أن الكثير ممن يعتنقون الفكر المتشدد هم من الشباب الصغار، وبعضهم لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، حيث وصل إليه هذا الفكر وهو في طور نشأته، ونمى وكبر معه حتى استولى على فكره بالكامل..

ولو أن هذا الشاب الصغير كان قد تحصن ضد هذا الفكر من صغره، لما وجد الفكر المنحرف مكاناً له عنده لينمو ويترعرع..

*     *     *

مؤخراً، أطلقت وزيرة التعليم البريطانية موقعاً متخصصاً في حماية الأطفال من التطرف، اسم هذا الموقع (تعليم ضد الكراهية)، وهو موجه للآباء والأمهات والمعلمين بشكل مباشر.

يقدم هذا الموقع نصائح قيمة للآباء والمعلمين في كيفية حماية الأطفال من التطرف، بدءاً من السمات المبكرة التي تظهر على الطفل وتنذر بوجود بدايات قناعات منحرفة، مروراً بكيفية التعامل معها، إضافة إلى أسس منهجية لتعليم الأطفال خطورة التطرف، وما إلى ذلك.

الموقع يعتبر lرجعاً قيماً للمعلمين والآباء والمتخصصين، وأنصح الجميع بالاطلاع عليه.

وهذا الموقع مبادرة مميزة، ولكن ينقصها الكثير.. فكان بالإمكان تقديم وسائل تعليمية شيقة يمكن للآباء والمربين استخدامها في توعية الأطفال بخطورة الفكر المتطرف، أو لعلاج بدايات الفكر المنحرف عند بعضهم، حيث أن إدراك الآباء والمربين لخطورة هذا الفكر عند الأطفال وكيفية علاجه نظريا لا يعني قدرتهم على التعامل معه بالشكل المناسب، حيث أن عقلية الطفل صعبة، وتحتاج إلى الكثير من الخبرة والمران للتعامل معها.. والأساليب المذكورة في الموقع تطلب من المربي أن يجلس ويتحاور مع الطفل بشكل مباشر، وليس كل طفل يمكن الحوار معه.

*     *     *

ترى، ونحن نرى خنجر الإرهاب يطعننا الطعنة تلو الأخرى، والأبرياء يتساقطون يوماً بعد يوم، ترى متى سنرى مبادرات نوعية تهتم بتحصين أطفالنا من الفكر المتطرف الذي يستهدف عقولهم الغضة؟

كلنا قرأنا الرسالة المبكية لوالد الإرهابي التويجري الذي فجر نفسه في الأحساء مؤخراً، الوالد الذي وقع  خبر تفجير ابنه لنفسه وقتل الأبرياء مثل الصدمة، ترى كم من المفاجآت والصدمات يحمل لنا الزمن؟ لو كان بالإمكان تحصين ذلك الولد من صغره ضد هذا الفكر، ترى هل كان أبوه، وضحاياه، وأهاليهم، وفوق ذلك وطننا الغالي، سيعيشون مأساة مثل تلك المأساة؟

CaPJNJoUEAArdtT

*     *     *

حمى الله أبناءنا.. ووطننا.. والمسلمين جميعاً.. من كل سوء..

وحمى عقول أبناءنا.. من كل فكر متسلل قذر.. لا يهنأ له بال إلا باستعباد العقول.. وحصد الأرواح..

 

 

 

 

.

 
أضف تعليق

Posted by في 4 فيفري 2016 بوصة مقالات, تقنية, طفولة

 

طفلة في الرابعة.. تحرّك الملايين!


Alex

ترى كم من الأفكار الغريبة تأتي على ذكر أطفالنا؟..

أفكار في صناعة لعبة معينة.. في القيام برحلة ما.. في طريقة تنظيم في لعبة ما.. وحتى في أساليب جديدة في حياتنا الاجتماعية..

الكثير.. أليس كذلك؟

أفكار تبدو لنا غبية.. مجنونة.. غير منطقية.. مستحيلة التنفيذ..

وبالتالي.. كيف تكون ردة فعلنا نحن الآباء؟..

التطنيش.. فنحن ليس لدينا الأريحية لإضاعة وقتنا في أحلام غبية تصدر من طفل صغير!

فما رأيكم إذن.. في طفلة في الرابعة من عمرها.. حلمت.. وعملت.. بلا كلل أو ملل.. لتصنع موجة أثرت في مجتمع بأكمله؟

***

أليكس.. طفلة جميلة.. ولدت في أمريكا.. وكانت تملأ البيت فرحاً وسعادة.. بضحكاتها وشقاوتها..

ولكن.. وقبل أن تكمل أليكس عامها الأول.. صدم أهلها عندما تم اكتشاف إصابتها بمرض السرطان الخبيث.. وانقلبت حياة الأسرة رأساً على عقب.. وبدأت أليكس الطفلة الصغيرة رحلة طويلة من العلاج.. والألم.. والعذاب..

***

حتى الأطفال يحلمون وهم مرضى.. أليس كذلك؟

***

حينما بلغت أليكس الرابعة من عمرها.. طرحت على عائلتها فكرة أن تقوم ببيع عصير الليمون أمام البيت.. وذلك لمساعدة الأطفال المصابين بالسرطان..

وقف أهلها إلى جانبها.. ولأنها مريضة وضعيفة فقد ساعدها أخوها الأكبر.. وبالفعل قامت ألكيس بوضع طاولة أمام البيت لبيع عصير الليمون.. مع لوحة تفيد بأن مدخولات البيع ستكون لدعم الأطفال المصابين بالسرطان..

***

في توقعاتكم.. كم من المال تمكنت أليكس أن تجمعه؟

كان المبلغ ألفي دولار!

ببيع عصير الليمون.. في يوم واحد فقط!

الموضوع أصبح مشجعا بالفعل.. ولذلك استمرت أليكس في بيع الليمون.. وحتى حينما انتقلت عائلتها من ولاية لأخرى لمتابعة علاج أليكس كانت أليكس تخرج مع أخيها وتنصب الطاولة وتبيع عصير الليمون..

***

وتوفيت أليكس..

توفيت وهي في الثامنة من عمرها..

ولكنها.. حينما توفيت في عام 2004.. كانت طاولتها لبيع الليمون قد أصبحت حملة شعبية.. وتشكلت منها جمعية اسمها “ركن أليكس لبيع الليمون لصالح الأطفال المصابين بالسرطان” Alex’s Lemonade Stand for Childhood Cancer .. وفي ذلك العام فقط تمكنت الجمعية من جمع مليون دولار.. واستمرت هذه الجمعية في الانتشار.. لتكون حصيلة ما تمكنت من جمعه لصالح الأطفال المصابين بالسرطان حسب آخر التقارير أكثر من 55 مليون دولار!

لقد أطلقت أليكس بالفعل موجة قوية أثرت في الملايين من الناس.. كان الناس يتوافدون على طاولة أليكس للتبرع فقط.. ووصل الأمر إلى أن وقفت إلى جانب أليكس العديد من الشركات الكبرى التي خصصت جزءاً من دخلها لهذه الجمعية.. والعديد من المشاهير مثل سيلين ديون وجيري ساينفيلد.. وهذا الأخير أصبح سفيراً وممثلاً لهذه الجمعية..

وكانت مبادرة أليكس مادة ثرية للإعلام.. فكانت ضيفة على أشهر البرامج في التلفزيون الأمريكي مثل برنامج أوبرا، و برنامج جون والاش، وغيرها.. وصدر عنها فيلم وثائقي باسم “أليكس سكوت: طاولة للأمل” Alex Scott: A stand for Hope..

كما قامت شركة فولفو بإطلاق جائزة باسمها Alexandra Scott Butterfly Award مخصصة للأطفال الشجعان الذين يقومون بأعمال استثنائية في مجال الخير ومساعدة الآخرين..

وأصدرت أليكس قبل وفاتها كتاباً للأطفال بمساعدة والديها.. اسم الكتاب “أليكس: وطاولة بيع الليمون المدهشة Alex and the Amazing Lemonade Stand..

Alex Kids Book

***

تحية إلى أليكس.. التي تمكنت بفكرة بسيطة من مساعدة آلاف الأطفال المصابين بالسرطان.. والعمل على رفع مستوى رعايتهم والعناية بهم..

تحية إلى كل طفل شجاع.. يرى خيراً أمامه.. فيسعى إليه.. بكل بساطة وعفوية.. وبراءة.. وحماس.. ويقاتل من أجل تحويلها إلى واقع..

وتحية أخيرة.. إلى كل أب وأم.. يتعاملان بكل الاحترام والتقدير مع أبنائهم.. وأفكار أبنائهم مهما بدت غبية أو مجنونة.. ولم يسخروا منها.. بل دعموها بكل حنان..

وحب..

***

ورجاء.. شاهدوا هذا المقطع.. فهو يحكي كل شيء.. وأكثر..

 
3 تعليقات

Posted by في 19 فيفري 2013 بوصة مقالات, طفولة

 

علموا أولادنا الوشاية، والأنانية.. والاستهتار بالمعلم!


ابني فيصل أصبح في الصف الأول الابتدائي..

كنت قد اخترت له مدرسة أهلية بناء على العديد من العوامل.. منها سمعة المدرسة.. وقربها نسبياً من المنزل.. وقوة مُدرسّي الصف الأول..

وفيصل يحب المدرسة جداً.. كان قد درس المرحلة التمهيدية.. وتآلف مع جو المدرسة.. ولذلك فإن بداية العام الدراسي بالنسبة تعني له الكثير..

***

في الأسبوع التمهيدي والذي يتواجد فيه الآباء عادة مع أبنائهم.. عرفت أن المعلّم الذي أتينا لأجله قد تغيب لإجراء عملية جراحية.. وسيغيب الفصل الأول بأكمله.. شفاه الله وعافاه.. وبالتالي فقد كان هناك مُعلمَين اثنين للصف الأول.. أحدهما أربعيني.. لطيف مع الأولاد.. أما الآخر.. وهو ستيني على ما يبدو.. فعصبيته واضحة إلى حد أنه كان يعامل الأطفال بطريقة فجة في الأسبوع التمهيدي الذي يفترض أن يكون لتحبيب الأطفال في المدرسة..

وحينما انتهى الأسبوع التمهيدي وزعوا الأطفال على فصلين.. وكان من نصيب ابني أن يكون عند المعلّم الثاني.. المعلّم العصبي.. كما أنهم عند التوزيع وضعوا أغلب من يبدو عليه أنه مشاغب عند المعلّم الثاني..

أي أنه وبعد أن انتقيت له مدرسة توسمت أنها ممتازة.. كان نصيبه أن يكون في فصل له معلّم لا يطيق التعامل مع الأطفال.. ومع رفاق لا يفترض أن يكون معهم..

***

عزمت أن أذهب إلى المدرسة وأطلب نقل ابني من هذا الصف.. ولكن ابني بدا سعيداً جداً هناك.. وأحب المعلّم كثيراً.. فتريثت..

ولكن.. وبعد أسبوعين.. بدا ابني يشتكي.. يشتكي من الطلاب الذي يضايقونه.. ويشتكي من المعلّم الذي ضربه حتى الآن مرتين!..

حينها قررت أن أذهب وأطلب نقله..

***

دخلت على الوكيل الذي قابلني بترحاب زائد استغربت منه.. قلت له أنني أريد أن أنقل ابني من فصله.. سألني عن السبب فذكرت له أنه غير منسجم مع طلاب فصله.. ولسبب في نفسي لم أتكلم عن المعلّم لأنني توقعت أن موضوع الطلاب كاف بحد ذاته، ولأن المدرس قد يدرس ابني مرة أخرى ولا أريد أن أكسر علاقة ما منذ البداية..

أخذ الوكيل يسأل عن طبيعة المضايقة.. وقال أن من حقه أن يعرف كيف تسير الأمور في الفصول حتى يتجنبوا أي مشاكل قد تحدث مستقبلاً.. ثم خرج من مكتبه وعاد ومعه ابني.. أجلسه أمامه.. وبدأ معه جلسة تحقيق: “من الذي ضايقك يا ابني؟.. قول ولا تخاف..”..

كان ابني متفاجئاً من الموقف.. لأول مرة يكون في كرسي استجواب بهذا الشكل..

وبعد إلحاح من الوكيل.. نطق ابني باسم طالب.. سأله الوكيل ماذا فعل له هذا الطالب.. قال ابني أنه يقول كلاماً بذيئاً..

على الفور.. نهض الوكيل وأخذ معه فيصل.. وطلب مني أن أحضر معه.. وتوجه إلى الفصل..

توقعت أن يقوم الوكيل بسحب ذلك الطالب خارج الفصل.. ويواجهه مع فيصل.. ويحاول أن يحل الموضوع بطريقة معينة..

ولكن.. حصلت الأمور بطريقة مختلفة..

وصادمة!..

***

دخل الوكيل الفصل ومعه فيصل.. ووقفت أنا عند الباب..

وقف أمام الطلاب.. وتحول فجأة إلى وحش كاسر.. أخذ يصرخ في الطلاب يسأل عن اسم الطالب الذي نطق به ابني.. شعر الطلاب كلهم بخوف شديد.. بما فيهم الطالب المذكور الذي لم يدر ماذا يفعل من خوفه..

وكان لذلك الطالب أخ توأم يجلس بجانبه.. التفت الوكيل إلى أخيه وصرخ فيه طالباً أن يتقدم إليه.. وقال له: “أنت فلان؟”.. فأشار الطالب إلى أخيه.. فصرخ الوكيل في الأخ أن يتقدم أيضاً..

أخذ الوكيل عصا كبيرة تفاجأت بوجودها في الفصل.. ووقف أمام الطالبين التوأم.. وأخذ يصرخ فيهما بشكل غير معقول ومع كل صرخة يضرب بعصاه على الطاولة التي بجوارهما بقوة ليرهبهما ويرهب كل من بالفصل..

تطاير الكلام من فمه بشكل سريع وغاضب وهو يرمي بتهديدات غريبة عجيبة.. منها :”والله لو قربتوا على فيصل مرة ثانية راح أعطيكم ملفاتكم وأرميكم في الشارع”!..

الموضوع أصبح لا يطاق بالفعل.. وأنا مصدوم من هذا المشهد.. والتوأم يقفان في دهشة وأحدهما على وشك البكاء.. حينها تدخل المعلّم وأمرهما بأن يعودا إلى مكانهما.. وحينما عادا لحق بهما الوكيل ليعطيهما دُشّاً نارياً آخر..

ثم التفت الوكيل إلى بقية الطلاب وصرخ فيهم: “والله اللي راح يقرب على فيصل يا ويله”..

ثم خرج..

***

وقفت مذهولاً أمام ما حصل..

أخذت أتكلم مع عموم الطلاب محاولاً تهدئة الأمور.. ولكن المعلّم أخذ يتكلم معهم بنفس منطق الوكيل: “ما أحد يقرب على فيصل يا أولاد.. اللي حيقرب على فيصل يا ويله”!..

***

وعدني الوكيل بأنه سيتابع ابني شخصياً.. وأنه إذا استمر يشكو من فصله فسينقله إلى الفصل الآخر..

***

وخرجت من المدرسة وأنا غير مصدق أن يحصل هذا في مؤسسة تربوية تعليمية.. يفترض منها أن تخاطب الطلاب بما يناسبهم.. وأن تتعامل معهم بطرق تربوية أصيلة..

كان من الواضح أن غرض المدرسة هو إرضاء ولي الأمر.. الذي هو أنا في هذا الموقف.. وأنا على يقين من أن والد التوأم المذكور لو أتى في اليوم التالي فسيتلقى ابني عاصفة نارية معاكسة من الوكيل إرضاء لذلك الأب.. والضحية.. هم كل من بذلك الفصل.. سواء كان له دور أو كان متفرجاً على هذه المهزلة!

وبدل أن يتم نقل ابني إلى فصل آخر.. فقد قامت المدرسة مشكورة ذلك اليوم بزرع أول بذرة في ابني ليكون واشياً.. أنانياً.. ويكسب كراهية زملائه في الفصل..

والمشكلة الأكبر التي لم أكتشفها إلا لاحقاً.. هو اعتقاد ابني أن أباه أقوى من المدرسة.. وأن أي شكوى منه سيأتي والده ليصلح الأمور.. وبالتالي فقد لاحظت بعد ذلك الحادثة ضعف احترام ابني للمعلمين.. وأنهم مجرد أشخاص عاديين يمكن لوالده (السوبرمان) أن يمسحهم من الوجود بمجرد تشريفه للمدرسة..

كنت أنوي بالفعل أن أعود لأنقله من فصله.. أو لأنقله من مدرسته كلها بعد أن تفاجأت أن الهرم التعليمي عندهم مقلوب ومنخور.. ولكن بعد أن لاحظت هذا الاستهتار من ابني تجاه المعلمين توقفت عن ذلك.. حيث أن أي خطوة من هذا النوع ستدعم هذا الخلق السيء لديه.. وتعزز من قناعته بأن المعلّم ليس له أي قيمة.. والمدرسة ليس لها أي احترام.. مما قد ينعكس على مستقبل شخصيته في الاستهتار بأي كبير..

مأزق تربوي خطير.. أليس كذلك؟!

 
7 تعليقات

Posted by في 11 أكتوبر 2012 بوصة مقالات, طفولة

 

لندعهم يتسخون!


قي إحدى زياراتنا إلى طبيب ولدي، سألت الطبيب لماذا ابني يمرض كثيراً.. لماذا أصبح يصاب بالإنفلونزا والتهاب اللوز والرشح عدة مرات في الموسم الواحد.. بينما نحن في صغرنا كنا نادراً ما نعرف هذه الأمراض؟..
أجابني: السبب واضح.. لأن عالم أطفالنا اليوم أصبح نظيفاً أكثر من اللازم!

*    *    *

عندما كنا صغاراً.. كنا نقضي أغلب وقتنا خارج المنزل..
كنا حينها نعيش في بيئات مختلفة، بيئات صحراوية، بيئات ريفية، وقروية، مليئة بالأشجار والنباتات والحيوانات والحشرات، وحتى في المدن كانت البيوت شعبية في أغلبها، تجد باحة للمنزل فيها أشجار أو نخل، وغالباً ما تتم تربية بعض الحيوانات أو الدواجن داخل المنزل.
كنا نلعب بكل شيء.. بالتراب.. بالطين.. بكل شيء.. نركض نلهو وأيادينا تمسك بكل شيء.. ونتنفس بكل حرية.. نتسلق الأشجار.. نستكشف الكائنات من حولنا من حشرات وحيوانات.. كان جزء من تسليتنا أن نلعب مع هذه الكائنات.. نحملها ونداعبها ونرميها على بعضنا البعض ونضعها في ملابس زملائنا في مقالب بريئة..
وحينما كنا نعود للمنزل.. لم يكن غسيل الأيدي عند الأكل أمراً ملحاً.. في الغالب كنا نغسل أيادينا حينما يكون هناك شيء ظاهر عليها فقط.. كالطين والقاذورات..

*    *    *

هذا النمط من الحياة أصبح يعد فلم رعب هذه الأيام!
أبناؤنا اليوم دوماً تحت المراقبة.. يقضون أغلب وقتهم في المنزل، في المدن في فلل أو شقق، في بيئة نظيفة دائماً.. وحينما يخرجون مع أهاليهم إلى الحديقة لا يسمعون إلا: “لا تلمس هذه.. إنها قذرة.. لا تلعب بالتراب.. إنه مليء بالأوساخ.. ابتعد عن تلك القطة.. تبدو مقرفة..”..
وحينما يأتي وقت الطعام.. فعليهم أن يغسلوا أياديهم جيداً.. ثم تخرج الأم من حقيبتها علبة المعقم السائل، أو المناديل المعقمة.. لتمسح بها يدي الطفل جيداً قبل الأكل.. (شكراً لإنفلونزا الخنازير!)..

*    *    *

ترى.. هل هذا حقاً ما نريده لأبنائنا؟
هل نريد أن نمنعهم تماماً من التعرض لأي بكتيريا وهم صغار.. لكيلاً يصابون بالمرض وهم في رعايتنا.. ثم ينشؤون ويكبرون ليكونوا أصحاب مناعة ضعيفة.. وأجساد هشة؟!

*    *    *

يقول بعض الخبراء بأن جهاز المناعة في الجسم مثله مثل بقية الأجهزة.. بحاجة إلى التدريب والتمرين لتصبح أقوى..
تماماً مثل العضلات، من يهتم بها ويدربها تكون عضلاته أقوى وأكثر مرونة، ومن يهملها تكون عضلاته هشة وضعيفة..
وتمرين جهاز المناعة ليس صعباً.. ولا يحتاج إلى برامج تدريبية مكلفة ومرهقة..
البرنامج التدريبي لمناعة طفلك يتلخص حسب كلام الخبراء في نقطتين: أن ندعهم يلعبون بالرمل والطين، وألا نسرف في استخدام المطهرات معهم.
لماذا الطين؟ لأنه يحوي عدداً كبيراً من الميكروبات التي قد لا توجد في بيئات أخرى، هذه الميكروبات تساعد في بناء مناعة الطفل ضد الكثير من الأمراض البسيطة المنتشرة حولنا، خصوصاً أمراض الصدر والإنفلونزا والحساسية.
لنأخذهم كثيراً للحدائق، وندعهم يلعبون بالرمل والطين والتراب كما يشاؤون، لندعهم يختلطون بالأطفال الآخرين بشكل مكثف، لندعهم يستخدمون الألعاب في الأماكن العامة..
وحينما يعودون للمنزل، غسيل اليدين العادي قد يكون كافياً.. بل إن بعض هؤلاء الخبراء ينصحون بأن نتجاوز عن غسل الأطفال لأياديهم أحياناً قبل الأكل.
كما علينا ألا نقلق كثيراً من نظافة المنزل، ليس من الضروري أن نقوم بتعقيم كل زاوية من زوايا البيت بشكل مستمر، علينا بالطبع أن نهتم بنظافة بيوتنا، ولكن لندعها طبيعية قدر الإمكان بدون الاستخدام الزائد للمنظفات والمعقمات.

*   *   *

قراراتنا حالياً هي ما تشكل مستقبل أبنائنا..
وكما أن من حق أبنائنا علينا أن نرعاهم الرعاية الصحيحة.. ونوفر لهم التعليم المناسب.. والتغذية السليمة..
فإن من حقوقهم علينا أيضاً أن نسعى لأن يكونوا دوماً بصحة وحيوية..
صغاراً.. وعندما يكبرون..

 
11 تعليق

Posted by في 10 نوفمبر 2011 بوصة مقالات, طفولة

 

أطفالنا.. و “الخطط الاستراتيجية”!


كان الراكب بجانبي في الطائرة رجلاً كبيراً في السن، من بريطانيا.. عرف نفسه بأنه يعمل مستشاراً في واحدة من كبرى الشركات السعودية..
حينما عرفته بنفسي وأنني مهتم بالطفولة.. قال لي وهو يبتسم:
“سأخبرك إذن قصتي مع ولديّ”..
***
هذا الرجل لديه ابنان..
حينما كان ابناه في المرحلة الابتدائية العليا.. لاحظ عليهم قلة اهتمامهم بدروسهم..
فأخذ يوماً يتحدث معهما.. وكان يعرف شغفهما الشديد بالسيارات.. فسألهما عن السيارة التي يريدان اقتنائها عندما يكبران.. فهتف الاثنان سوية: “فيراري!”..
فقال لهما على الفور: “إذن ما رأيكما أن نذهب الآن ونشاهد السيارة الفيراري التي ستشتريانها؟”..
وطار الولدان من الفرحة.. وبالفعل أخذهما والدهما إلى معرض سيارات فيراري.. دخلوا المعرض.. واستقبلهم البائع.. وحين سأل الأب كيف يمكن أن يساعده أجابه الأب: “ولداي يريدان شراء سيارتي فيراري”..
قال لي الأب بأن الحظ ساعده يومها بأن البائع فهم الرسالة.. وتعامل بكل ود معهم.. فأخذ يعامل الولدان وكأنهما مشتريان حقيقيان.. قال لهما بأن يختارا السيارة التي يريدان.. وبالفعل اختار الولدان إحدى السيارات المعروضة.. وأخذا يتأملانها ويتلمسانها بكل شغف..
ثم عرض البائع عليهما أن يفتح السيارة وأن يجلسا فيها ويشاهداها من الداخل..
وكاد الولدان حينها أن يجنّا من الفرحة..
دخل الولدان سيارة الفيراري وهما لا يكادان يصدقان نفسيهما.. أخذا يتبادلان الجلوس خلف المقود ويمثلان وكأنهما يقودان السيارة..
كان يوماً لا ينسى..
ثم شكر الأب البائع.. وقبل أن يغادروا صالة الفيراري.. قال الأب لولديه: “لقد نسينا أن نسأل عن قيمة هذه السيارة”؟.. والتفتوا إلى البائع وسألوه عن السعر.. وسأله أيضاً عن قيمة القسط الشهري لو أرادوا شراء السيارة بالأقساط.. ثم طلب الأب من ولديه أن يسجلا هذه المعلومات على ورقة ويحتفظا بها..

***
حينما عادوا إلى المنزل.. كان الولدان يتحدثان طول الوقت عن السيارة التي شاهداها.. كانا مفعمين بالإثارة.. جلس حينها الأب معهما وبدأ في الحديث.. قال لهما أن هذه السيارة غالية الثمن.. وأنه إذا أرادا الحصول عليها أن يكونا في وظيفة مرموقة حينما يكبران، تدر عليهما دخلاً جيداً.. حتى يتمكنا من دفع القسط الشهري المرتفع..
وبحسبة بسيطة معهما حددوا سوية كم يجب أن يكون الراتب الشهري لمن يريد أن يشتري سيارة الفيراري..

***
في اليوم التالي.. اتجه الأب مع ولديه إلى المكتبة العامة..
هناك استعرضوا التقارير السنوية عن معدل دخل مختلف الوظائف في بريطانيا.. وقاموا بإلغاء كل وظيفة يقل دخلها عن الدخل الذي حددوه بالأمس لشراء سيارة أحلامهم.. وفي النهاية توصلوا إلى عدد قليل من الوظائف.. أوضح لهم الأب أن الحصول على إحدى هذه الوظائف سيضمن لهما الوصول لهدفهما..
ثم، وعن طريق المعلومات المتوفرة في المكتبة.. حددوا سوية كيف يمكن لأي شخص أن يصل إلى واحدة من هذه الوظائف، ما هي الشهادات المطلوبة.. وعن طريق أي كلية أو جامعة يمكن الحصول على هذه الشهادات.. وبالتالي كونوا قائمة أخرى بالجامعات والكليات مرتبطة بالقائمة الأولى..
بعد ذلك أخذوا يبحثون عن متطلبات القبول في هذه الجامعات والكليات، من معدل دراسي وما إلى ذلك.. وسجلوا كل ذلك في قائمة ثالثة..
ثم عادوا إلى المنزل..
جلس حينها أبوهم معهم.. وناقشهم في كل ما قاموا به.. وهو يغذي حلمهم الكبير.. ثم قال لهم أن أول خطوة عليهم أن يقوموا بها الآن ليصلوا إلى ما يريدون هو أن يتفوقوا في دراستهم ليحصلوا على الدرجات المطلوبة التي ستؤهلهم للدخول في الجامعات المذكورة في القائمة..
ثم تركهم أبوهم مع كل هذه القوائم التي أعدوها سوية..

***
ترى كيف كانت نتيجة كل هذه الحكاية الطويلة؟
قال لي أبوهم أن ولديه، ومنذ ذلك اليوم، التفتا إلى دراستهما بشكل غير معهود.. أصبحا يوليان دراستهما وواجباتهما اهتماماً كبيراً.. وكل ما كان يفعله هو بين لحظة وأخرى أن يشجعهما ويذكرهما بحلمهما الكبير..
وبالفعل تفوقا في دراستهما، تم قبولهما على الفور في الجامعات التي يريدان، وبدءا حياتهما العملية في القطاعات التي اختاراها من ضمن تلك القائمة..
والآن، هما في أواسط العشرينات، أصبح أحدهما مديراً للفرع البريطاني لواحدة من سلاسل المطاعم المشهورة، وهو على وشك الزواج، والثاني يعمل في وظيفة مرموقة في واحدة من الشركات الكبرى في الشرق الأوسط..

***
بعد أن أنهى جاري قصته.. سألته..
وهل حققا ما يريدان الآن؟ هل بلغا هدفهما واقتنيا سيارة الفيراري التي يريدان؟
أجابني ضاحكاً، بأن الابن الأكبر اقتنى سيارة بورش بعد أن أصبح معجباً بها أكثر، أما الثاني فهو لا يزال معجباً بالفيراري وسيقتنيها قريباً..

***
ترى من منا يناقش مع أولاده مستقبلهم في هذا العمر المبكر؟!..
لا أقصد هنا أن نسألهم السؤال المعهود: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟.. ليجيب الطفل بجواب تم تلقينه إياه بأنه سيصبح مهندساً أو طبيباً..
بل أعني وضع أهداف واضحة لهم يعشقونها، ومن ثم رسم الطريق الذي سيصل بهم إلى هذه الأهداف، بداية من سنواتهم الأولى في الدراسة..
وأنا على يقين من أن التواصل مع أبنائنا بهذه الطريقة العملية، سيمنحهم مستقبلاً أفضل..
وأكثر روعة، ونجاحاً..

 
25 تعليق

Posted by في 26 جوان 2011 بوصة مقالات, طفولة

 

«جائزة دبي للصحافة».. الطفولة تناديكم


صُدمت للغاية عندما اطلعت على ما حدث من تغييرات في «جائزة دبي للصحافة» في دورتها التاسعة لهذا العام، التي يشرف عليها نادي دبي للصحافة..
فبعد 8 سنوات ناجحة من عمر هذه الجائزة.. يطالها التغيير.. ليتم دمج «جائزة صحافة الطفل» مع ثلاث فئات أخرى هي «الصحية»، و«البيئية»، و«تكنولوجيا المعلومات»، لتصبح في فئة واحدة هي فئة «الصحافة التخصصية».
هل هو دمج؟ أم إلغاء في الحقيقة؟!..
ومنذ متى كانت تعامل «صحافة الطفل» على أنها صحافة تخصصية؟! أو أن يتم وضعها في فئة واحدة مع جوائز أخرى غريبة عنها؟!..
والسؤال الأهم هو: كيف سيتم تقييم المشاركات وترشيح الفائزين في ظل هذا الاختلاف الجذري بين هذه «التخصصات»؟!

* * *

منذ متابعاتي الأولى لـ«جائزة دبي لصحافة الطفل» شعرت أنها مهزوزة وغير مستقرة؛ ففي الوقت الذي تنص فيه قوانين جميع بنود الجائزة على أنها تمنح لأفضل عمل صحافي في مجال الجائزة تم نشره في مطبوعة عربية في الفترة المحددة، فإن تطبيقات «جائزة الطفل» كانت في كل سنة غير واضحة ويشوبها التوتر على عكس الجوائز الأخرى. ويبدو أن سبب ذلك هو عدم توفر خبراء في مجال الطفل لدى القائمين على «جائزة دبي للصحافة» ليتم تقويم مسار هذه الجائزة وتحكيم الأعمال بشكل سليم.
في ما يبدو، كان من السهل مثلا على «جائزة دبي للصحافة» أن يتم تحكيم «أفضل تحقيق صحافي» نشر خلال العام، أو «أفضل حوار صحافي»، أو «أفضل موضوع عن البيئة»، وذلك لتوافر الخبراء لديها، وحتى عندما كانت تعلن أسماء الفائزين كان تعليل فوزهم واضحا وجليا، أما في «جائزة صحافة الطفل»، فإن الموضوع مختلف. على الرغم من أن «جائزة صحافة الطفل» كانت تنص على أنها تمنح لأفضل عمل منشور، فإنها منحت عدة مرات لشخصيات كان لها تأثير في عالم صحافة الطفل.. ومع تقديرنا الشديد لهؤلاء الرواد واعترافنا بفضلهم، فإن ذلك كان يخالف قانون الجائزة.. أما نحن، العاملون في مجال «صحافة الطفل»، فقد قرأنا ما يحدث بشكل آخر: لم يجد «نادي دبي للصحافة» من يرشده إلى أفضل الأعمال المنشورة في عالم صحافة الطفل فآثر منح الجائزة لشخصية رائدة في هذا المجال.. والسلام!
من ناحية أخرى، لم تقم لجنة الجائزة بالتفريق بين ما ينشر للطفل في مجلات الأطفا، وبين ما ينشر عن الطفل في صحافة الكبار، وشتان بين المجالين؛ فالأول صحافة أطفال تقدم للأطفال، وهو فن فريد، والآخر يشمل كل موضوع موجه للوالدين أو التربويين أو حتى عموم المجتمع عن قضايا الطفل، سواء كانت صحية أو أخلاقية أو تربوية أو غيرها. ورأينا عدم الوضوح هذا حينما منحت الجائزة لصحافيين كتبوا مواضيع عامة عن الطفل في الجرائد، مما ضيع معنى الجائزة، وأدخل من ليس من أهل التخصص في دائرتها.
بالإضافة إلى ذلك، لوحظ أن السيرة الذاتية للمتقدم للجائزة لها دور في حصوله على الجائزة؛ فيكفي أن يكون المتقدم للجائزة له اسم كبير وعريق وسيرة ذاتية طويلة وأعمال كثيرة منشورة ليفوز بالجائزة، حتى ولو كانت أعمال غيره – من أصحاب الخبرة الأقل – أكثر تميزا وإبداعا. وهذا يؤكد عدم وجود خبراء في صحافة الطفل لدى «جائزة دبي للصحافة»، مما دفعهم لاختيار «الأكبر والأكثر خبرة» ليكون اختيارهم أقرب للصواب في حساباتهم.

* * *

ترى هل ستنجح «جائزة دبي للصحافة» في إعطاء الطفولة حقها بعد دمجها في ثلاث فئات أخرى مختلفة اختلافا جذريا عنها تحت بند واحد؟
نحن نعلم أن تقييم أي جائزة يكون بناء على أسس واضحة، وبالتالي لا بد من أن تكون المشاركات متقاربة من عدة جوانب. فيا ترى هل يمكن لأحد أن يجد حلا لجائزة تجمع بين مواضيع صحافية صحية وبيئية وتقنية وقصص مصورة للأطفال في الوقت نفسه؟!
ترى كيف سيتم التفاضل فيما بينها؟ لجودة العنوان الصحافي؟ لجرأة التحقيق؟ لروعة الرسومات مثلا؟ لتوصيل معان تربوية عميقة؟! إبراز تقنيات جديدة؟ للسبق الصحافي؟!
هل ترون كيف ستكون المحددات صعبة؟!
إن سألتموني ماذا ستفعل لجنة الجائزة، فأعتقد أنها ستقوم بمنح الجائزة لكل قسم في كل دورة، بشكل غير معلن طبعا. وبالتالي فإن نصيب «صحافة الطفل» منها سيكون مرة كل أربع سنوات.
وإن كانت «جائزة دبي للصحافة» قد فشلت في تكوين فريق خبراء في مجال «جائزة صحافة الطفل» في ما مضى، فإنه من المؤكد أن لجنة الجائزة «التخصصية» الجديدة لن تكون كذلك، وإن تم وضع شخص متخصص في لجنة الجائزة فسيكون هو الحلقة الأضعف لتقارب التخصصات الثلاثة الأخرى بعضها من بعض.

* * *

بعد معاناة طويلة لرواد صحافة الطفل من عدم اعتراف المجتمعات الثقافية بهم وبدورهم الريادي في تقديم منتجات فريدة للطفولة، احتفلوا كثيرا بإعلان «جائزة دبي لصحافة الطفل» التي دفعت فيهم الروح من جديد، ليزيدوا من عطائهم وإبداعهم، حيث إنها الجائزة الوحيدة في العالم العربي التي تدعم صحافة ومجلات الأطفال.
والآن، وبدمج هذه الجائزة، واختفاء اسم الطفولة من قائمة الجوائز الصحافية، تلقى العاملون في صحافة الطفل ضربة نفسية عميقة، لاختفاء المحارب الوحيد الذي كان يدافع عن وجودهم.. وعن كيانهم.
وفي الوقت الذي كانوا يتطلعون فيه إلى تشعبات أكبر لـ«جائزة صحافة الطفل»، وذلك لاتساع هذا المجال، ليشمل صحافة الأطفال الورقية، وصحافة الأطفال الإلكترونية، وصحافة الأطفال التي ينتجها الموهوبون من الأطفال أنفسهم؛ فوجئوا بإعلان «الإقصاء» عن «جائزة دبي للصحافة».
ترى.. ألا يعلم القائمون على «جائزة دبي للصحافة» مدى أهمية الدور الذي كانوا يمارسونه في دعم صحافة الطفولة في العالم العربي؟ ألا يعلمون أنهم قدموا لأطفال العالم العربي هدية لن ينساها التاريخ، ثم سحبوها بكل بساطة؟!
ترى.. هل كتب علينا أن نعود تسع سنوات للماضي، لنغني من جديد: مَن لصحافة الطفولة؟!

* مقال نشر في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 23 فبراير 2010

 

إنفلونزا خنازير.. أم إنفلونزا إعلام؟


يبدو ان الإعلام قد تعود أن يكون (المنديل) الذي (يعطس) فيه من يريد ما يريد وكيفما يريد.. فبعد أن تفاجأنا بأحد أعضاء مجلس الشورى يتهم الإعلام بتضخيم أحداث جدة المأساوية.. ظهر منذ أيام المتحدث الرسمي لوزارة الصحة وهو يرمي بجزء من مسؤولية فشل حملة التطعيم ضد إنفلونزا الخنازير على الإعلام بوسائله المختلفة، والذي سمح لغير المختصين باالحديث عن هذه الظاهرة مما ولد “فوبيا” ضد التطعيم على حد قوله..
ترى هل يطاالب المتحدث الرسمي لوزارة الصحة (وغيره) الإعلام بأن يتناسى مهمته الأساسية القائمة على التعبير الحر وينقاد لسياسات جهة ما؟.. أليس الإعلام هو انعكاس لما يحدث هنا وهناك ونقل لما يدور من سائر الأطراف بكل شفافية؟

* * *

قام الإعلام بتغطية انتشار إنفلونزا الخنازير منذ بداياتها.. وساهم بشكل فعال في نشر الحقائق عن هذا المرض ونشر ثقافة التعامل معه.. واهتم كثيراً بانطلاق حملة التطعيم ضد انفلونزا الخنازير ورأينا صور وزير الصحة وهو يأخذ التطعيم ثم يقوم بتطعيم ابنته بنفسه.. كل ذلك قام به الإعلام بشكل حر وبمصداقية عالية..
ولكن.. وفي نفس الوقت.. فإن من مصداقية الإعلام أن ينقل وجهة نظر الأطراف الأخرى.. وأن ينقل أيضاً ما يدور على أرض الواقع..
وفعلياً.. ولنكن صادقين مع أنفسنا.. فإن الغالبية العظمى من الناس.. بما فيهم مسؤولين ومتعلمين.. من منسوبي وزارة الصحة وإعلاميين.. لديهم قناعة بأن هناك تضخيم غير طبيعي لموضوع إنفلونزا الخنازير.. وأن هناك (إنّة)!!..
انتشرت تقارير كثيرة هنا وهناك تشكك في حملة التطعيم هذه.. أشهرها ما أتى على قناة روسيا اليوم من تصريحات لوزير الصحة الروسي بوجود مؤامرة من شركات أمريكية تسعى للتكسب من الموضوع.. وذلك بالتواطؤ مع منظمة الصحة العالمية.. وبالتالي قام الإعلام لدينا بنقل ما شاهد.. وقام العديد من الكُتّاب بإثارة الموضوع..
ترى هل يرى المتحدث الرسمي لوزارة (صحتنا) أن وزير الصحة الروسي هو إنسان (غير متخصص)؟!..
ثم توالت الأخبار والتقارير.. واستمر الإعلام بنقل كل ذلك..
وفي نفس اليوم الذي ينشر فيه الإعلام تصريح المتحدث الرسمي لوزارة الصحة بإلقاء المسؤولية على الإعلام.. ينقل الإعلام خبراً مفاده أن التطعيمات التي وصلت إلى جيزان وبدأ تطعيم الناس بها هي تطعيمات غير صحيحة.. وأن وزارة الصحة وجهت بسحب التطعيمات الموجودة هناك.. وفي اليوم الذي يليه يصدر بيان من منظمة الصحة العالمية تناقلته صحافتنا مفاده أن انتشار فيروس إنفلونزا الخنازير قد استقر متضمناً اعترافاً منهم بأن توقعاتهم بمستوى خطورة إنفلونزا الخنازير كانت غير صحيحة تماماً وأن النتائج كانت اهون بكثير..
ترى هل يطالبنا المتحدث الرسمي بعدم ذكر هذه الأخبار والتغافل عنها؟!..

* * *

عفوا أيها المتحدث الرسمي.. ولكن فشل حملتكم المشبعة بعلامات الاستفهام أتى من زوايا كثيرة، ولن أتعرض هنا للتقارير العلمية والإشاعات وما إلى ذلك.. ولكن سأسرد بعض الحوادث العامة في مجتعنا والتي كانت تقول بكل صراحة أن علامات الاستفهام تستحق أن تكون أكبر وأكثر:
* في عز انتشار الخوف من إنفلونزا الخنازير في آخر الإجازة الصيفية، تم إعلان تأجيل بدء الدراسة أسبوعين لحين وصول التطعيمات، ولكن التطعيمات لم تصل في وقتها.. وتوقع الناس بالتالي أن يتم تأجيل الدراسة لأن كثافة الطلاب واختلاطهم ببعض سيزيد من معدل الإصابة وبالتالي عدد الوفيات.. ولكن وزارة التربية والتعليم تجاهلت الموضوع تماماً وبدأت الدراسة في موعدها.. والكثير من الناس فهم هذا التصرف على أنه إدراك من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم بمدى وهن كل حكاية إنفلونزا الخنازير هذه..
* بدأت الدراسة.. ولم نشاهد زيادة في عدد المصابين بإنفلونزا الخنازير.. بل إن أعداد المصابين كانت أقل.. وأصبح أولادنا يذهبون للمدرسة بشكل طبيعي بدون وجود لفقاعة الخوف التي أثارتها وزارة الصحة.
* تزامن مع ذلك أيضاً احتفالات العيد.. ولم يصدر من أي مسؤول إلغاء لهذه الاحتفالات بالرغم من أن معدل الازدحام والاختلاط فيها أكثر مما يحدث في المدارس، وهذا أيضاً أوصل للناس رسالة من أن المسؤولين الكبار في الدولة لا يرون الموضوع بهذه الأهمية.
* وأتى موسم الحج أيضاً.. ليسجل هذا العام أقل نسبة وفيات منذ سنين طويلة بالرغم من تزامنه مع موسم إنفلونزا الخنازير (القاتل والمرعب!)..
* مع بداية حملة التطعيم الفعلية، كانت موجة العدوى بإنفلونزا الخنازير قد بدأت تنحسر، وأصبح من النادر أن نسمع عن وفاة من جراء هذا المرض، وأصبح الناس يتساءلون: لماذا التطعيم؟
* تواترت أخبار كثيرة من عدة مدارس أنه وبعد أن يتم الإعلان عن موعد زيارة وفد وزارة الصحة لتطعيم الطلاب، وإرسال أوراق الموافقة لأولياء الأمور، فإنه لا يأني أحد من الوزارة أصلاً!..
* مما دعم نظرية وجود مؤامرة من شركات الأدوية، هو أن الأطباء في المستشفيات الكبرى أخذوا يصرفون علاج إنفلونزا الخنازير (تامي فلو) لكل من لديه أعراض أي إنفلونزا.. وبدون أن يتم الفحص الفعلي لمعرفة هل هي (خنازير) أم لا.. وفي نفس الوقت فإن من يذهب إلى العيادات الخاصة أو المستوصفات الصغيرة يجد أن كل الأطباء هناك يسخرون من كل ما يحدث.. ويقولون بأن هذه الإنفلونزا يمكن علاجها بالمسكنات العادية والراحة في المنزل.. وأن الوفيات التي حصلت كانت لأناس لديهم أمراض أخرى.. وشاع ذلك بين الناس إلى درجة أن الكثير أصبح لا يأخذ أبناءه إلى المستشفيات إن كانوا يعانوا من أعراض إنفلونزا.. وقام الناس أيضاً بربط ذلك باستهداف شركات الأدوية للمستشفيات ووجود مصالح مشتركة بينها.. وتحرر العيادات والمستوصفات من هذا الضغط..
أغلب هذه النقاط (وغيرها) لم يتطرق لها الإعلام.. في حين أنها منتشرة بكثرة بين الناس وكان لها أثر كبير في رفض الناس للتطعيم..
ترى هل يحق للمتحدث الرسمي لوزارة الصحة أن يتهم الإعلام؟.. أم أن هذا الاتهام أتى في محاولة أخيرة لتبرير الاندفاع غير المسؤول نحو حملة التطعيم المشبوهة هذه مضيفاً علامات استفهام أخرى وأخرى؟.

* مقال منشور في المفكرة الإعلامية

 
أضف تعليق

Posted by في 8 جانفي 2009 بوصة قضايا إعلامية, مقالات